وعلمتني الشمس

قصة قصيرة..

✍️وفاء عرفه :

رحمة سيدة فى العقد الخامس من عمرها، أتمت رسالتها الأسرية علي أكمل وجه، أصبح لديها الوفير من الوقت، لذا إختارت العمل التطوعى الذى لم تتمكن من القيام به طوال الماضى، لتركيزها في رحلتها على مسئولياتها الأهم من وجهة نظرها الصادقة، أهم سمات رحمة قدرتها على مساعدة من يحتاج لها، لقد وهبها الله قدرة الإحتواء، تتسم طباعها بالهدوء و الصبر و لما لا!!!! لقد مر عليها الكثير و خبراتها الحياتية ليست بقليلة، ما بين أمواج عاتية، مد و جذر، رياح و عواصف، شدائد، و صعاب فى الحياة، هناك أيضاً أوقات نعيم، رخاء، و سعادة، هكذا حال الحياة لا تستمر إلا بإختلافاتها تؤثر فينا و نتعلم منها، صادفت في حياتها مواقف كثيرة أثارت عاطفتها، نحو أصحاب القلوب الطاهرة، الأيادي البيضاء، و ملائكة الأرض إنهم الأطفال عشقها الأول و الأخير.
فى إحدى إشراقات يوم جديد توجهت و فريق معها يحملن الهدايا، الحب يفيض من وجوههن و الرحمة تملأ القلوب، إلى إحدى المستشفيات لعلاج مرض يفترس جسد، براعم صغيرة بلا هوادة و دون شفقة أو رحمة، استقبلهم الأطباء و أصطحبوهن جميعاً إلى مقصدهن، توجهن و كلهن رغبة فى إسعاد جميع الأطفال، وزعن الهدايا و قبلها الإبتسامات و داعبن الأطفال، الذين تغمرهم السعادة و البهجة تطل من عيونهم البريئة، ما عدا طفلة نحيلة البدن و يبدو على قسمات وجهها علامات تقدم المرض، كأنها تعانيه منذ سنوات تزيد على عمرها الحقيقى بل و أكثر.
توقفت رحمة أمام الطفلة و أطالت النظر بإبتسامة حانية، هى لا تعلم ما سر هذا الشعور القوى الذى جذبها للطفلة، على الفور جلست راكعة أمامها تداعبها ثم وضعت قبلة على كف يدها الرقيقة جداً و التى بها موضع مكان غذائها المتاح لحالتها، و هو محلول دوائى يمر لجسدها الضئيل من خلال أنبوبة بلاستيكية رفيعة، موصولة بأداة للحقن فى وريد كفها الصغير جداً، تجاذبت رحمة مع الطفلة حوار قليل.
سألتها رحمة عن إسمها: فأجابت إسمى شمس، تعجبت السيدة من الإسم، فليس للطفلة من إسمها نصيب إلا الأفول، نجحت رحمة فى أن تحظى بالحديث معها، و جعلتها تبتسم و قبل نهاية اللقاء أعلنت الطفلة، عن حبها للسيدة و رغبتها في لقاء آخر اليوم التالى وافقت رحمة عل الفور، إنتهت الزيارة و حان وقت المغادرة، لاحظت رحمة أن شمس تراقبها حتى نهاية الغرفة و تغمرها بالقبلات عبر الهواء، و عينيها ممتلئة بدموع محبوسة تعصى أن تنهمر على وجنتيها الشاحبتين، فجأة نادت بصوت مرتفع قائلة: يا طنط خذينى معك..
عادت إليها رحمة مسرعة و إحتضنت رأس شمس فى صدرها، كما لو كانت تريد أن تضمها بين ضلوعها، ثم إبتسمت رحمة و وعدتها أن تأتى لزيارتها و أيضاً تستضيفها يوماً كاملاً فى نزهة خارج المشفى عند تحسن حالتها، ثم وضعت قبلة على جبينها الرقيق و ردت الطفلة بمثلها فى الهواء، قالت رحمة فى سرها: لقد رزقت حب هذه الملاك البرئ.
إنشغلت رحمة بعملها و زياراتها الميدانية العديدة، و قبل تمام الأسبوع قررت زيارة شمس و سعادتها لا توصف، كلما تذكرت بسمة وجه شمس التى لا تفارق خيالها طيلة الأيام السابقة، فور وصول رحمة إلى المشفى توجهت مباشرة إلى عنبر الأطفال، دخلت و هى تصوب نظرها أولاً على مكان شمس فوجدته فارغاً، و قبل أن تسأل قالت لها الممرضة شمس ذهبت إلى بيتها فى أجازة صغيرة ثم تعود و تركتها لأداء عملها، تنفست رحمة الصعداء ثم جلست مع الأطفال جميعهم، تعطيهم الهدايا و تبادلهم الحديث و الضحكات، ثم بعد الوقت المحدد غادرت رحمة متوجهة إلى قسم التمريض لتأخذ عنوان بيت شمس لزيارة خاصة لها.
كانت المفاجأة…. أخبرتها الممرضة أن شمس فى رحمة الله فقد أسترد الله وديعته، و إنها لم تُخبرها أمام الأطفال في العنبر لأنهم لا يعلمون، و ذلك رفقاً بهم و خوفاً عليهم من أثر صدمة فقدان رفيقتهم في رحلة المعاناة و المرض.
جاء الخبر كالصاعقة و تجمدت رحمة فى مكانها، أذرفت الدموع رغماً عنها و لامت نفسها بقسوة أشد اللوم، على أنها لم تأتى كما وعدت شمس فى اليوم التالى للزيارة الأولى، قالت رحمة بصوت مسموع متهدج متقطع، و هى متعمدة أن تسمع ذاتها ما ستقوله، حتى لا تنسى هذا الدرس القاسى على نفسها و الندم يعتصر فؤادها و علمتنى شمس أن لا أخلف وعداً مرة أخرى مهما كلفنى الأمر، كم تمنيت رؤيتها اليوم و لكن للأسف الشديد، غابت شمس إلى الأبد..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى