ومن الحُب ما قتل

✍️ صالح الريمي :

تقول الحكمة: “لكل داء دواء يستطبّ به إلا الحماقة أعيت من يداويها”، و‎النفس جُبلت على رفض الإجبار والنفور والإكراه والفرض، وكل شيء في الحياة يأتي بغير رغبة، مصيره للزوال، فلا تنمي مواهبك من غير رغبة، ولا تدخل في دورات من غير رغبة، واحذر من القسوة على نفسك، فكل مخلوق ميسّر لما خلق له.
قال الشاعر:
إنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الارض
إذا هبت الريح على بعضهم
امتنعت عيني عن الغمض.

قرأت بالأمس قصة ‏من أفظع القصص ضد طفل، فالقاتل كان الأب واسمه “كريستوفر غريغور” أمريكي من ولاية نيوجيرسي، حيث كان لديه ابن يبلغ من العمر 6 سنوات، شعر الأب بأن ابنه سمين فأرغمه على الرياضة بالقوة وذلك بالمشي على السير المتحرك لمدة طويلة من الزمن، وكلما سقط حمله والده بعنف ووضعه على السير مجددًا حتى خارت قواه فبدأ الصغير يتلعثم في الحديث ويتعثر عند المشي بعد قيامه بهذه الرياضة العنيفة..
أخذوا الطفل للمستشفى وخلال فحصه بالأشعة المقطعية أصيب بنوبة صرع ثم مات مباشرة، فالتقرير الصادر من المشرحة يفيد بأن الصغير مات متأثرًا بإصابات عنيفة وكدمات في القلب والكبد مع التهاب حاد وتعفن في الدم، بعدها تمت محاكمة الأب بتهمة القتل وقد يكون مصيره السجن مدى الحياة، فبدلاً من مساعدة ابنه على إنقاص وزنه بطريقة صحية، لجأ إلى العنف المفرط الذي أدى إلى مقتل طفله.

هذا الحادث المأساوي والمروع يظهر نقصًا في الرعاية والحنان الأبوي ورعونة وقسوة قلب فيحتاج إلى تأهيل نفسي، كان من المفروض يوفر الحماية والدعم لطفله، ولا يكون سببًا في تعرضه للإيذاء الجسدي أو النفسي، فما هذا الأب؟! الذي انتُزعت منه الرحمة، فعندما يغيب العقل، تغيب معه الإنسانية والرحمة والحياة بأكملها..
والشي بالشي بذكر أحيانًا قد يرتكب بعض الوالدين سلوكًا لا يقل فضاعةً عن ذلك المشهد المأساوي، حين يتم ارغام الطفل على الذهاب للمدرسة دون التأكد بأنه أخذ كفايته من النوم، فيستجيب لذلك النداء وكأنه قدرًا محتومًا عليه، فيكابد يومه المدرسي ذلك بين التعب والخمول، ويكون عرضةً للخطورة نتيجة الإرهاق والإعياء، وعرضة أيضًا للتندر والتنمر من أقرانه.

لذلك لا تجتهد في إيقاظ طفلك قبل أن تهتم بوقت نومه الصحي والسليم الذي يمنحه النشاط البدني والذهني الضروري ليومه الدراسي، فعدم منح أبنك نومًا صحيًا كافيًا يكون له عونًا وسببًا في صحته وسعادته وتفوقه..
ولا تكلف أبنك ما لايطيق، ولا تجبر أبنك على الدراسة وعلى المذاكرة حتى تجعله يكره المدرسة ويكره التعلم، فطرق الترغيب والتحفيز ودون اجهاد وعدم التقليل من ذكاءه وعدم مقارنته بأقرانه أعظم عمل تحفز به طفلك.

*ترويقة:*
احذر أن تجبر طفلك على أمرِ فوق طاقته، فالطفل لا يستطيع أن يعبر عما بداخله أو يفصح عن حاجاته النفسية والبدنية، والوالدين هما أقرب من يكتشف تلك الحاجات والرغبات، وهما أول من يستجيب لها، فسلامتهم مقدمةٌ على كل اعتبار..
ثم أعطه حرية فيما يختار من تخصص ولا تفرض عليه تخصص بعينه حتى لو كان متفوقًا فربما ميوله لدراسة شيء آخر، واعطي طفلك الخيارات بعد توضيح فوائد ومساوئ كل خيا، وادعم قراره الصحيح وناقش الخطأ.

*ومضة:*
ومن الحُب ما قتل، يقول أحد الآباء: “أنا في بداية حياتي كنت أضغط على أبنائي وأطلب منهم ما ظننت أنه خير لهم والآن اكتشفت خطأي، وكنت أقفل على ابني الغرفة وامنعه من الخروج ليذاكر”، فحكيت ذلك لأحد المتصصين التربويين، فقال لي: لقد أغلقت على طفلك الغرفة فأغلقت عليه عقله.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى