مَــرَّ مِنْ هُنَـا

ناصر الدسوقي _ مصر

بَحـثتُ عَـنِّى لم أجِـدنِى فى الـدُّنا
قـالـوا مـرَرتَ مُنذُ عـامٍ مِن هُـنا
وأفَـلـتَ كالقـمـرِ الـذى لا لم يَعُـد
بالنّـُورِ يـسـطَعُ كىْ يُنيـرَ لِحَـيِّينا
وكُـنتَ كالـسَّـرْوِ الذى بَلَغَ العُـلا
وأُصِـيبَ ساقهُ قد تَعطَّب فأنحنى
وأُصِـيبَ قلبـُكَ مُذْ بُلِيتَ بِهَجْرِهَا
فالـهَـجْــرُ داءٌ لا نـُرِدْهُ يَـمـَسَّـنَـا
قـد كُـنتَ كالـوردِ النَدِيِّ بِعِـطـرِهِ
وذبُلتَ مِن حَجْبِ المِياهِ لأرضِنا
كالرَّعْدِ فى جوف السماء مُدّوِّيًا
والآنَ لمْ تَسـطِـعْ لتَطرُقَ سَمعَنا
كالبـرقِ يَخـطَفُ نُـورَهُ أبصـارَنا
قـد بِـتَّ تَخـفتُ كالسِّـراجِ بِدارِنا
كالنارِ فى الصحراءِ تَهدِيَ عابِرٍ
كالنجـم إن يسطَعْ بِظُلمَـةِ لَيلِـنا
بل مِثلَ مَن يأتى الخُمُور بِشرهةٍ
والخَمْـرُ رِجْـسٌ عنهُ يِنهَى دِيننا
فالشَّـوقُ كالخَـمرِ المُعتَّقِ مُسكِرٌ
والخَمْرُ إِنْ يُسْكِرْ سيُذْهِبُ عقلَنا
لا تُسرِفَنَّ لَدى الحبيبِ مِنَ الهَوا
فالسَّرَفُ فى الأشواقِ يُصبِحُ ذَنبنا
لا تبـتئـس إنَّ المَـودَّةَ فى الهـوا
لا تُـشـتَرَى مِثْـلَ الطعَـامِ لِيومِـنا
كالحَـبِّ يَنبُتُ إنْ سَقَيْتَ مُداوِمًـا
إنْ نَـرعَـهُ يأتى الثّـِمَـارَ بِحَـقْـلِنا
كالفُلْـكِ فى لُـجِّ البِحَـارِ مَوَاخِـرَا
والمَـوْجُ إنْ يعْلُـو يُعكِّـرُ صَفْوَنا
بل كالـنَّسِيـمِ إذا يُدَاعِـبُ وَجْهَـنَا
والرِّيحُ إن تَعصِفْ ستُوقِعُ نَخْلَنا
كالغَيْمِ فى جَوْفِ السَّماءِ مُسَخَّرًا
فـبـدُونِ حَـرٍّ لا لِـغَـيْـمٍ غـاثَـنــا
لا صَـيْـدَ يأتى دُونَ رَامٍ قـد رَمَى
والقوسُ لن يرمِى لذاتِهِ سَهْمَنـا
والعَيْـنُ إنْ تُبصِـرْ فأمرُكَ خالِقِى
لا شَـئَ نُبصِـرُ حِينَ نُغلِقُ جَـفْنَنَا
والـدِّفـْءُ لن يأتى وجَسَدُكَ عاريًا
وبدونِ قلمٍ كـيف نكتُبَ لَوْحـنا ؟
لا النَّارُ تَنْشَبُ فى الهَشِيمِ لِذَاتِهَا
والـدَّلْـوُ لن يُلقِى بِنفْـسِـهِ بِـئْـرَنَا
وسنـابِلُ القمْحِ التى هـى قُوتُـنَـا
إن لَمْ تَكُنْ بِالجُـوعِ نقتُلُ بَعضنـا
والمـاءُ إن يُصـبِحْ أُجَـاجًـا إنَّهُ
حينَ الشَّـرابُ فلا لِيَروِىَ ظَـمأنا
لا الـثَّـوْبُ يأتى بِالجَـمَالِ لِمُـرْتَـدٍ
نحـنُ المُـزِيـنُ ولا لِـثَـوْبِ زَانَنَـا
ولا الغُـدْرَانُ دونَ ماءِ أن سَقَتْ
فبدونِ ماءٍ كيفَ يَنبُتُ زَرْعَنَـا ؟
ارْجِـعْ إلى تِـلكَ الـتى أحبَبْتَهـا
وقُـلْ لهــا هـلَّا رَدَدْتِ لِــى أنـا

م َّ من هنا
من ديواني الخامس
جليدٌ على حافةِ البركان
د ناصر الدسوقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى