رثاء هارون الرشيد

✍️عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون:

في رثاء هارون الرشيد، رقى الأمين المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس وخصوصاً يا بني العباس، إن المنون مراصد ذوي الأنفاس، حتمٌ من الله تعالى لا يُدفع حُلوله، ولا يُنكر نُزوله، فارتجعوا قلوبكم من الحزن على الماضي إلى السرور بالباقي تُجزون ثواب الصابرين، وتُعطون أجور الشاكرين. فتعجب الناس من جرأته وبلة ريقه وشدة عارضته.
وخطب المأمون بمرو وقد ورد عليه كتاب الأمين يعزيه بالرشيد ويحثه على أخذ البيعة له فقال:
إن ثمرة الصبر الأجر، وثمرة الجزع الوزر، والتسليم لأمر الله عز وجل فائدة جليلة، وتجارة مربحة؛ والموت حوضٌ مورودٌ، وكأسٌ مشروب، وقد أتى على خليفتكم ما أتى على نبيكم، صلى الله عليه وسلم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فما كان إلا عبداً دُعي فأجاب، وأُمر فأطاع، وقد سدّ أمير المؤمنين ثلمه، وقام مقامه، وفي أعناقكم من العهد ما قد عرفتم، فأحسنوا العزاء عن إمامكم الماضي، واغتبطوا بالنعماء لخليفتكم الباقي.
وقال أبو نواسٍ الحسن بن هانئ يعزي الفضل بن الربيعٍ عن الرشيد ويهنئه بالأمين:
تعزّ أبا العباس عن خير هالكٍ
. بأكرم حيٍ كان أو هو كائن
حوادث أيامٍ تدور صروفها
. لهن مساوٍ مرةً ومحاسن
وفى الحي بالميت الذي غيب الثرى
.. فلا أنت مغبونٌ ولا الموت غابن
وقال أبو الشِّيص يرثي هارون الرشيد ويمدح ابنه محمد بن زُبيدة الأمينٍ:
جَرَت جَوَارٍ بالسَّعد والنَّحس
. فنحن في وحْشَةٍ وَفي أنْس
العينُ تَبْكىِ والسنُّ ضاحكةٌ
. فنحن في مأتمٍ وفي عُرْس
يُضْحِكُنا القائم الأمِينُ وتُب
. كِينا وفاة الإمام بالأمْس
بدْرَانِ بَدْرٌ أَضْحَى ببَغْداد في ال
. خُلْدِ وبَدْرٌ بطُوس في الرّمْس
وقال ابن أبي السعلاء أيضا يرثي الرشيد:
مات الإمام فعم أه
. ل الدين كلهم مصابه
عرَينَ منه ركابه
. فتعطلت منه قبابه
وتفردت أجناده
. وخلا من الحراس بابه
وأقام في ملحوده
.. لا يرتجي منه إيابه
في الرمس مقترب المح
. ل لحافه منه ترابه
ما هابه القدر الذي
. أودى به غضاً شبابه
قد كان كل الناس تر
. جوه وكلهم تهابه
فاعتاقه ريب المنو
. ن وحان من أجل كتابه
ومما يستحسن لابن أبي السعلاء كذلك مرثيته لهارون:
يا ليلة السبت التي
. طلعت كواكبها نحوسا
كنت البسوس عليهم
. بل فقت في الشؤم البسوسا
قفل الغزاة وخلفوا
. هارون في جدث حبيسا
في غربة من أهل طو
. س فليتني فارقت طوسا
ترحاً لنا إن لم نُقَتِّ
. لُ عند مصرعه النفوسا
رحم الله الخليفة هارون الرشيد ووسع له في قبره وأسكنه فسيح جناته.
وبهذا ننهي سلسلة مقالات هارون الرشيد والتي بلغت (21) مقالة والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى