عمل الكبار
✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :
قال أحدهم: بالأمس قررت أن أجرب عملاً لا تُداوم عليه إلا نفوس الكبار، ومن عادتي التقصير، أسأل الله أن يعفو عني، فقررت أن أجرب ألا يؤذن المؤذن إلا وأنا في المسجد .
وفعلاً فعلت ذلك، فبكَّرت في الحضور وصليت تحية المسجد، ثم دخل المؤذن وأذن بالصلاة، ولا تتخيل تلك المشاعر التي غمرتني وأنا أجيبه وأنا جالس خلفه، وبعد أن أجبته ودعوت الدعاء المأثور وصليت ركعتين فتحت المصحف وبدأت أقرأ القرآن، ومرت عشرون دقيقة بين الأذان والإقامة، ولم أصدق عيني أنني قرأت جزءاً كاملاً، تملكني ذهولٌ عظيم من سهولة هذا الإنجاز وعظم تقصيري فيه، وكبّر الإمام فلا تسل عن لذة الخشوع والحضور مع قراءته، وتردد في ذهني عبارة أحد مشائخي: (البكور حَرَمُ الصلاة، فمن سَلِمَ حرمُه سلمت صلاته) .
قضيت الصلاة، وجلست في حديث وحساب مع نفسي، ولا أعلم كيف تجلجلت في مسامعي تلك الآية: (أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله)، تخيلت نفسي وأنا أداوم على هذا الفعل في كل فريضة، وما الذي سأخسره خارج المسجد، لو ضمنت البكور للصلاة فرضاً واحدا كالعشاء أو العصر أو الفجر لضمنت ختمة للقرآن في كل شهر، دون عناء ومكابدة، فكيف لو بكرت فريضة أو فريضتين أو خمساً…؟ زال تعجبي حينها ممن أسمع أنهم يختمون القرآن في كل شهر مرتين وثلاثاً وأربعاً طيلة أيام العام، وتواردت في ذهني تلك الفضائل العظيمة؛ (المشي للصلاة)، (إجابة المؤذن)، (وقت إجابة الدعاء بين الأذان والإقامة وفي الصلاة وبعدها)، (الصف الأول)، (السُنَّة الراتبة)، (إدراك تكبيرة الإحرام)، (حضور القلب في الصلاة)، (دعاء الملائكة للمصلين في المسجد)، (الأذكار والدعوات بعد الصلاة)، (سبعة يظلهم الله منهم رجل قلبه معلق بالمساجد)، وغيرها كثير .
ترددت في مسامعي مرة أخرى تلك الآية: (أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله).