هارون الرشيد ومنادمات الشعراء
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون
حدث أبو العيناء عن الأصمعي أنه قال: انصرفت ليلة من دار الرشيد، وأنا أشكو علة، ثم غدوت إليه من الغد، فقال لي: يا أصمعي، كيف بِتّ…؟
فقلت: بليلة النابغة يا أمير المؤمنين.
فقال: إنا لله! هو والله قوله:
فبت كأني ساورتني ضئيلة
. من الرقش في أنيابها السم ناقع
فقلت: والله يا أمير المؤمنين ما أُخبرت خبره، وإنما أردت قوله:
كليني لهَمٍّ يا أميمة ناصب
. وليل أقاسيه بطيء الكواكب
فعجبت من ذكائه وفطنته.
ومن جميل المنادمات قال الأصمعي: دخلت على هارون الرشيد، وبين يديه جارية حسناء، عليها لمّة جعدة، وذؤابة تضرب الحقو منها، وهلال بين عينيها مكتوب عليه بالذهب: “هذا ما عمل في طراز الله”.
فقال: يا أصمعي، صفها. فأنشأت أقول:
كنانية الأطراف سعدية الحشا
. هلالية العينين طائية الفم
لها حكم لقمان وصورة يوسف
. ونغمة داود وعفة مريم
فقال: أحسنت والله يا أصمعي. فهل عرفت اسمها…؟
فقلت: لا يا أمير المؤمنين.
فقال: اسمها دنيا.
قال: فأطرقت ساعة ثم قلت:
إن دنيا هي التي
. تسحر العين سافره
ظلموها شطر اسمها
. فهي دنيا وآخره
قال الأصمعي: فأمر لي بعشرة آلاف درهم.
وفي بيان عداوة الدنيا قال هارون الرشيد: لو قيل للدنيا صِفي لنا نفسك، وكانت ممّن يَنْطق، ما وَصفت نفسها بأكثر من قول أبي نُواس:
إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكَشَّفت
. له عن عدوٍّ في ثِياب صديقِ
وما الناسُ إلا هالكٌ وابن هالكٍ
. وذو نسَبٍ في الهالكين عَريق