التمسوا لي عذرا
✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :
رأت المعلمة الأمريكية “كايتي شوارتز” في مدرسة بمدينة “دنفر” في ولاية “كلورادو”، أن هناك فجوة كبيرة بينها وبين طلابها الصغار، والأخطر أن هذه الفجوة تزداد تدريجيا، مما جعلها تعمل على حل يقرّبها منهم، فأعدّت مشروعاً صغيراً بعنوان: “أتمنى لو أن معلمتي عرفت”، يرتكز هذا المشروع على تسليم طلابها ورقة معنونة بسؤال: “ماذا تريد أن أعرف عنك…؟”. فصدمت المعلمة بالإجابات التي تلقتّها.
* أحد الأطفال يقول: “أتمنى لو أن معلمتي عرفت أنني لا أملك أصدقاء ألعب معهم”.
* وآخر يقول: “أتمنى لو أن معلمتي عرفت كم أشتاق إلى أبي، أذهب إلى غرفته كل يوم ولا أجده، ولن أجده، فقد رحلّوه إلى المكسيك نهائياً، سأظل بلا أب”.
* وثالثة كتبت: “أتمنى لو أن معلمتي عرفت أنني لا أملك أقلام رصاص في المنزل حتى أُؤدي واجباتي المدرسية”.
* وكتب رابع: “أتمنى لو أن معلمتي عرفت أن شقيقتي كفيفة، وأقوم بمساعدتها طوال اليوم”.
* أما إحدى الطالبات فقد ردت على سؤال المعلمة قائلة: “أتمنى لو أن معلمتي عرفت أن أمي وأبي يتشاجران طوال اليوم، وأكره العودة إلى المنزل، وأكره الذهاب إلى المدرسة أيضاً، لأني سأحاسب على دروس لم أذاكرها، وواجبات لم أقم بها”.
كانت إجابات الطلاب العفوية والصادقة مفتاحاً للمعلمة لتكتشف جوانب خفية ومخبوءة في حياة تلاميذها ساعدتها على مساعدتهم وعودتهم تدريجياً إلى فصولهم، فشرعت في حل كل مشكلة على حدة، فزارت منازل طلابها، وبدأت في معالجة ما يمكن معالجته، والأهم من ذلك كله أنها بدأت تفهم عقلية وخلفية طلابها جيداً، وفي ضوء ذلك قامت بمعاملتهم وتوزيع واجباتهم بناءً على ظروفهم وتحدّياتهم بشكلٍ يجعل المدرسة عاملاً مسانداً، لا عبئاً عليهم.
مشروع المعلمة “كايتي” انتقل إلى كثير من المدارس، وتمّ تطبيقه بشكل ممنهَج ومؤسِّس انعكس على أداء الطلاب والمدارس معاً، بل وامتدّ إلى المجتمعات المحيطة لأن كل هؤلاء الطلاب هم جزء من مجتمعهم الأكبر.
ليست مدارسنا فحسب التي تحتاج إلى تبنّي هذه الفكرة الجميلة، التي تردم الهوّة بيننا وبين الآخرين، بل كل مجتمعاتنا.
هل سبق أن سألنا أحبتنا هذا السؤال: ماذا تريدني أن أعرف عنك…؟
نعتقد أحياناً أننا قريبون جداً منهم لكننا في الحقيقية بعيدون جداً عنهم، أكثر مما نتصور…