سلامة الصدر

✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :

قال الله تعالى في كتابه العزيز: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، في ذلك اليوم الذي يجمع له الناس، لا ينفع عند الله عز وجل إلا من يأتي ربه بهذا القلب الذي سلم لله رب العالمين، وخلص من الشوائب التي تكدر على القلب سلامة اعتقاده، والشبهات التي تحيد به عن الطريق وتجلب الفتن، ويتبع ذلك سلامته في مروره في هذه الحياة الدنيا بما يحفظه من المشوشات التي يدفع بها الشيطان بكل خيله ورجله.
وسلامة الصدر في النظر إلى ماهية الحياة والتعامل مع الناس تفتح على المسلم أبواب الخير وتغلق أبواب الشر، فيعذر من حوله إذا أخطؤوا في حقه، ولا يعتب إذا قصروا في واجب له عليهم.
فيتبع سلامة الصدر سلامة جميع جوارحه فلا تنطلق إلا للخير ولا تحجم إلا عن الشر، فلا يقحمها في قول أو فعل لا يجد عاقبته عند الله حسناً، بل ويبعد نفسه أن يكون في وضع يفتح للناس فيه عليه مقالاً فيأثموا.
بينما كان معروف الكرخي جالساً مع أصحابه على ضفاف النهر إذ مر بهم مركب به مجموعة من الفتيان يشربون ويطبلون ويصفقون ويغنون…
فقال الأصحاب لمعروف: ادع عليهم.
فقال: اللهم كما فرحتهم في الدنيا ففرحهم في الآخرة.
قال الأصحاب: وكيف ذلك…؟
قال: إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم شيء.
حرص على إخوانه ألا يصيبهم سوء ما عملوا، مع خلاص من العجلة، ودعوة بالخير غلبت دعوة الشر فيها طهارة للقلب وتبصرة.
ويحكى أن أعرج وأعمى كانا يسيران سوياً فجعل الناس ينظروا إليهما ويضحكون، فتضرر الأعرج من فعلهم السيء.
فقال له الأعمى: ما ضرنا لو سلموا وسلمنا، ليمش كل منا منفرداً لنحفظ الناس عن الإساءة، ونرفع أنفسنا عن الأذى.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم”،
وستأتيك إساءة من أخيك ولا بد فتحزن لها وتضيق بها وتفكر في قطع صاحبها لما اجترأه عليك، فيأخذ الشيطان نصيبه الأوفر منها ويفرح لها، ولكن الله تعالى لا يرضى أن تؤول الرابطة بين المسلم وأخيه إلى هذا المال.
لذا كان توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً”.
سُرق للربيع بن خثيم فرس أعطي به عشرين ألفاً، فقالوا له: ادع الله تعالى عليه.
فقال: اللهم إن كان غنياً فاغفر له وإن كان فقيراً فأغنه.
وأصيب يوماً بحجر في رأسه فشجه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر له فإنه لم يتعمدني.
وصاحب الإساءة مريض في خلقه بما يغنيه عن أن يزيده أحد علة، فتراه يسيء إلى نفسه في الدنيا، ويجني الخسران في دار الحساب، فيتجرع الغصص الزمن الطويل على تركه ضبط جماح نفسه لثوان معدودة.
ومواجهة ما يسيء بما يحسن فيه محبة الخير لصاحبك، وتأكيد لاستمرارية المواجهة مع الشيطان ونزغاته وعدم الانجراف في متاهات تكدر الصفو.، فلا يجمل أن يقف المؤمن في صف عدو الله في مواجهة أخيه.
قيل لرجل: ادع على ظالمك…
فقال: ما ظلمني أحد، ثم قال: إنما ظلم نفسه، ألا يكفيه المسكين ظلم نفسه حتى أزيده شراً.
وإن الذي بيني وبين بني أبي
. وبين بني عمي لمختلف جداً
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم
. وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
ولا أحمل الحقد القديم عليهم
. وليس كبير القوم من يحمل الحقدا
قال أحمد بن أبي الحواري: قال لي أبو سليمان الداراني: من أي وجه أزال العاقل اللائمة عمن أساء إليه…؟
قلت: لا أدري.
قال: من أنه علم أن الله تعالي هو الذي ابتلاه به.

Related Articles

Back to top button