نبذة لحياة صحابة رسول الله

الحلقة الرابعة

د. لبنى يونس :

من هو الصحابي الجليل الذي نزلت فيه ايه (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) “الحشر، 9”.

وجازت وصيته بعد موته
……………………………
الصحابي ثابت بن قيس بن شماس أحد السابقين إلى الإسلام، كان خطيب النبي – صلى الله عليه وسلم – وخطيب الأنصار، وأحد الذين دعا لهم وبشرهم بالجنَّة في أكثر من موضع، ويضرب به المثل في الإيثار والشجاعة والإقدام. ويقول الدكتور محمد متولي منصور – الأستاذ بجامعة الأزهر – هو ثابت بن قيس بن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث وينتهي نسبة إلى الخزرج، وكنيته أبومحمد، وقيل أبوعبد الرحمن، وكان أحد السابقين إلى الإسلام في المدينة، إذ ما كاد يستمع إلى آيات الذكر الحكيم يرتلها مصعب بن عمير بصوته الشجي وجرسه الندي لما أرسله النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة يعلم المسلمين، حتى أسر القرآن سمعه بحلاوة وقعه، وملك قلبه برائع بيانه، فشرح الله تعالى صدره للإيمان وأسلم. وكان ثابت بن قيس جهير الصوت، خطيباً، بليغاً تخرج من فمه الكلمات قوية، صادعة جامعة، وعن أنس قال: خطب ثابت بن قيس مقدم رسول الله المدينة، فقال: نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا، فما لنا؟ قال: “الجنة”. قال: رضينا. وقيل إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – آخي بينه وبين عمار، وقيل بل المؤاخاة بين عمار وحذيفة. السير والتراجم اتخذه الرسول – صلى الله عليه وسلم – خطيباً، ويروى أنه في عام الوفود قدم وفد تميم على الرسول – صلى الله عليه وسلم – وبينهم عبدالله بن عبس اليماني ومسلمة بن هاران الحمداني بعد فتح مكة، وافتخر خطيبهم بأمور، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – لثابت بن قيس: “قم فأجب خطيبهم”، فقام فحمد الله وأبلغ، وسر رسول الله – عليه الصلاة والسلام – والمسلمون بمقامه. فأسلموا، وبايعوا على قومهم، وكتب لهم كتاباً بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم، كتبه ثابت بن قيس بن شماس، وشهد فيه سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهم. وذكرت كتب السير والتراجم أنه كان أحد كتاب القرآن الذين يدونون القرآن الكريم في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ومن أحرص الناس على حفظ القرآن، كما كان ممن جمعوا القرآن على عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وعن محمد بن جرير بن يزيد: أن أشياخ أهل المدينة حدثوه، أن رسول الله قيل له: ألم تر أن ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح؟ قال: “فلعله قرأ سورة البقرة”، فسئل ثابت، فقال: قرأت سورة البقرة.
صفاته
اشتهر بالورع والكرم والزهد والتقوى والشجاعة وشدة حبه للرسول – صلى الله عليه وسلم – ولفضله ومناقبه بشره الرسول – عليه الصلاة والسلام – بالجنة، وعن أبي قاسم الطبراني بسنده عن عطاء الخراساني قال: قدمت المدينة فسألت عمن يحدثني بحديث ثابت بن قيس بن شماس، فأرشدوني إلى ابنته فسألتها فقالت: سمعت أبي يقول لما أنزل على رسول الله: (إن الله لا يحب كل مختال فخور) “لقمان 18”، اشتدت على ثابت بن قيس وأغلق عليه بابه، وظل يبكي فأخبر رسول الله فسأله فأخبره بما كبر عليه منها، فقال: أنا رجل أحب الجمال وأنا أسود قومي، فقال: “إنك لست منهم، بل تعيش بخير وتموت بخير، ويدخلك الله الجنة”. وكان من نجباء صحابة الرسول – صلى الله عليه وسلم – المقربين في مجلسه يتفقده إذا غاب ويسأل عنه، ويعوده في مرضه ويدعو له، ويروى أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – دخل على ثابت بن قيس وهو مريض، فقال: “اكشف البأس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس”، ثم أخذ تراباً فجعله في قدح، ثم نفث عليه بماء وصبه عليه. وعرف ثابت بن قيس بالإيثار وحب الإنفاق في سبيل الله، ويحكى أن رجلاً من المسلمين مكث صائماً ثلاثة أيام يمسي فلا يجد ما يفطر فيصبح صائماً حتى فطن له ثابت بن قيس، فقال لأهله: إني سأجيء الليلة بضيف لي، فإذا وضعتم طعامكم، فليقم بعضكم إلى السراج كأنه يصلحه فيطفئه، ثم اضربوا بأيديكم إلى الطعام كأنكم تأكلون فلا تأكلوا حتى يشبع ضيفنا، فلما أمسى ذهب به فوضعوا طعامهم فقامت امرأته إلى السراج كأنها تصلحه فأطفأته، ثم جعلوا يضربون أيديهم في الطعام كأنهم يأكلون ولا يأكلون حتى شبع ضيفهم، وإنما كان طعامهم هو قوتهم، فلما أصبح ثابت غدا إلى رسول الله فقال: “يا ثابت لقد عجب الله البارحة منكم ومن ضيفكم”، فنزلت هذه الآية: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) “الحشر، 9”. بسالته ظهرت بسالته وإقدامه في الجهاد في سبيل الله، فقد شهد أحداً وجميع المشاهد والغزوات بعدها وبيعة الرضوان، وكانت فدائيته من طراز فريد تجلت عندما استنفر أبوبكر المسلمين إلى أهل الردة واليمامة ومسيلمة الكذاب، كان ثابت بن قيس في الصفوف الأولى وطليعة المسلمين، فلما لقوا مسيلمة وبني حذيفة تراجع المسلمون ثلاث مرات، فقال ثابت: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله فجعل لنفسه حفرة فدخل فيها فقاتل حتى قتل. وفي رواية عن أنس بن مالك قال: كنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف من الناس، فجاء ثابت وقد تحنط ولبس كفنه، وقال: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس ما عودتم أقرانكم، فقاتل حتى قتل. طليعة المسلمين في شهيد الصفوف الأولى استشهد ثابت بن قيس – رحمه الله – يوم اليمامة في خلافة أبي بكر سنة 12 هجرية، وأوصى بعد موته وجازت وصيته، فقد روي أنه بعد استشهاده مر به أحد المسلمين حديثي العهد بالإسلام، فأخذ درعه النفيسة ظناً منه أنها من حقه. وبينما أحد المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه، فقال له: إني لما قتلت بالأمس مر بي رجل من المسلمين فانتزع مني درعاً نفيسة ومنزله في أقصى العسكر وعند منزله فرس يستن في طوله وقد أكفأ على الدرع برمة وجعل فوق البرمة رحلاً، وائت خالد بن الوليد فليبعث إلى درعي فليأخذها، فإذا قدمت على خليفة رسول الله فأعلمه أن عليَّ من الدين كذا ولي من المال كذا وفلان من رقيقي عتيق، وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، قال: فأتى خالد بن الوليد فوجه إلى الدرع فوجدها كما ذكر وقدم على أبي بكر فأخبره، فأنفذ أبو بكر وصيته بعد موته، ولا نعلم أحداً جازت وصيته بعد موته إلا ثابت بن قيس بن شماس.

Related Articles

Back to top button