ما أطيبك من بلد

✍ صالح الريمي :

تحتفل المملكة العربية السعودية في يوم 22 فبراير، بذكرى يوم تأسيس الدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود عام 1727، وبعد ثلاثة قرون، نهضت خلالها دولة العز وموطن الرجال وبلد الكرامة ومعدن الوفاء، فظل يوم التأسيس مشعلًا وضيئًا منذئذ، تستعيد القلوب ذكراه المؤتلقة، بكل حب وتقدير وإكبار، إنها مملكة المجد والسمو، ودارة الحزم وحوزة العزم وقبلة المسلمين وحاضنة الحرمين ومحط أنظار العالم..
أقول إن هذا الوطن المعجزة هو بلد العطاء والنماء والنبل والوفاء ومملكة الإنسانية، ولهذا يجب علينا أن نجدد الولاء والانتماء لهذا الوطن الجميل، فحُب الوطن ليس تعبيرات رمزية لحظية، أو شعارات وصورًا وأعلامًا تبرز في هذا اليوم، أو عبر يوم إجازة رسمية، أو برنامجًا إذاعيًا مدرسيًا أو إخباريًا، بل هي مشاعر ذاتية ملتهبة في النفس، تصدر من عمق الأرض ورحمها، فترسل أشعة نورها إلى القلب، فتحرك حرارتها الأعضاء وتنير أمامها سبيل الحياة، تلك الوطنية والوطن.

وبهذه المناسبة الوطنية الغالية أتذكر جيدًا أول أيامي في المدرسة ونحن نصطف في ساحة المدرسة نكرر كلمات النشيد الوطني ونعيدها بكل قوة فتسمع أصداءنا من بعيد جدًا، فينتابني إحساس جميل نحو هذا الوطن الذي ولدت وترعرعت فيه، وبينما أنا أتأمل في العلم يرفرف عاليًا أشعر بالزهو والفخر والانتماء أنني ولدت في هذا البلد..
وبالرغم أنني في وقتها لم أكن اتقن حفظ كلمات النشيد جيدًا لكنني كنت أصرخ:
سَارِعِي لِلْمَجْدِ وَالْعَلْيَا
مَجِّدِي لِخَالِقِ السَّمَاء
وَارْفَعِ الخَفَّاقَ أَخْضَرْ
يَحْمِلُ النُّورَ الْمُسَطَّرْ
رَدّدِي الله أكْبَر
يَا مَوْطِنِي
مَوْطِنِي عِشْتَ فَخْرَ الْمسلِمِين
عَاشَ الْمَلِكْ: لِلْعَلَمْ وَالْوَطَنْ

وساحتفل رغم أنني لا أحمل جنسية هذا البلد لكنني أحمل ماهو أهم وأعظم، أحمل الحُب الدفين لبلد احتوت عائلتي قبل ستين عامًا مضت وشرفني الله بولادتي فيه، وسيظل ما يربطني بهذه الأرض الطيبة بلد الحرمين الشريفين شيء لا يستوعبه عقل ولا تحتويه مشاعر، وستظل هذه البقعة المباركة هي وجهتي، فكلما وليت وجهي إلى بلد آخر حتى لو كان بلدي الأم “اليمن السعيد”، أشعر بالغربة فاعود مجددًا إلى بلدٍ أحس فيه بالانتماء والحُب والاحتواء، وسأظل أبادله هذا الحُب اللا مشروط، فحب الوطن لا يحتاج إلى مساومة ولا يحتاج إلى مزايدة ولا يحتاج إلى مجادلة ولا يحتاج إلى شعارات رنانة ولا يحتاج لآلاف الكلمات..
فالوطن هو الأم التي تحتضن الطفل وتشعره بالأمان، وكحال أي طفل يبتعد عن أمه فإن مشاعره تضطرب قلقًا وبحثًا عن حضن يحتويه، والوطن هو المكان الذي ولد به الإنسان وأكل من خيره، فحبنا للوطن يتجسد من خلال الانتماء والمحافظة عليه والتضحية في سبيله.

*ترويقة:*
يقول أكبر روائيي الأدب الروسي والأدب العالمي ليو تولستوي: (لا ينبغي لنا أن نحب الوطن حبًا أعمى، فلا نرى عيوبه ولا نسعى لإصلاحها أو مواجهتها في الواقع).

*ومضة:*
وأجمل عبارة قيلت في حُب الوطن عندما خاطب رسول الله صلى الله عليه مكة قائلًا: (ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرك).

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى