مقابلة الإساءات

✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :

حين تبلغ الإساءة مداها وتظهر بشكل مادي بين يلمسه الربيع بن خثيم فإنه يملك زمام نفسه وينتحل الأعذار لصاحبه ولا يشغل خاطره بما وراء ذلك قاطعا كل مشوش عن قلبه.
فبينما كان الربيع يسير في الطريق إذ أصابه حجر في رأسه فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفر له فإنه لم يتعمدني.
خذ مثلا نراه في حياتنا اليومية أقل بكثير من هذا حين يقود الرجل سيارته في الطريق فتقترب منه سيارة أخرى فتضايقه بعض الشيء، فما يكون من ذلك الرجل، كما هو معتاد أحيانا، إلا أن يغضب ويتذمر، ويدعوا على الآخر أن يسقط في أقرب حفرة، أو يصطدم بعمود كهرباء، أو يدخل تحت شاحنة، فيريح الله منه البلاد والعباد، ولم يتسع صدره لفعلة أخيه فيردد : اللهم أصلح شأنه، اللهم اغفر له فإنه لم يتعمدني.
هذا التعدي يقابله الربيع بن خثيم بالعفو والغفران، فالهم ليس لهذا الجسد، والعمل ليس لهذه الدنيا، فالقلب معلق في الآخرة، فيحاذر من كل زلة تعيق المسيرة، فيجمع الهمة لقطع الفلوات.
وشتمه رجل فقال: يا هذا قد سمع الله كلامك، وإن دون الجنة عقبة، إن قطعتها، لم يضرني ما تقول، وإن لم أقطعها، فأنا شر مما تقول.
فعندما تكون للمرء ثقة كبيرة في نفسه ويحمل بين جوانحه قيم ومبادئ ويعتد بها فإنه يرتفع عن السلوكيات المشينة، ويرى أنها انحدارات لا يرتضي أن ينزل إليها، فيسمو بقدر نفسه ويتسع صدره لهنات الآخرين، ويرد بحلمه جهل الجاهلين.
قال النابغة الجعدي :
ولا خير في حلم إذا لم يكن له
. بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له
. حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
ويعذر الناس من أنفسهم ويلتمس لهم المبررات لتجاوزاتهم وأغلاطهم، فينظر إليهم نظرة المشفق الحنون الذي يأسى لما أصابهم  . 

فلا تكون النظرة أنه كثير الإساءة، وأنه أقل منا أدبا وخلقا وأنه لا يقيم للسلوكيات الحسنة ميزانا، وأنه يجب أن ينبذ ولا يقارب، ولم لا وليس هناك مصلحة مادية تربطنا به، كما أن هناك غيره كثيرون ممن يمكن مصاحبتهم ومعاشرتهم وقضاء الأوقات معهم، فتتقطع معه الأواصر وتضمحل الروابط، فتزداد الجفوة الشعورية، وقد تتبعها المقاطعة فينعزل عن المجموعة الخيَرة فلا يجد من يعينه ويشد من أزره كي يصلح حاله، فهو مريض ولم يجد من يقدم له الدواء ويصبر على علته.

Related Articles

Back to top button