رحل رجل بألف “الشيخ فريح العقلا” -1
✍ صالح الريمي :
الحمدلله الذي وفق من شاء من عباده لعمل الخيرات، فلقد خلق الله هذه الدنيا وجعلها مزرعة للآخرة؛ لذا فإن السعيد من يزرعها بالطيبات لينال برحمة الله تعالى الأجر والثواب في الآخرة..
وقضاء حوائج الناس من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى وفيه دعوة للتكافل الاجتماعي الذي يسد رمق المحتاجين والفقراء والمساكين وأعمال البر والخير، وقد أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (البر لا يبلى والاثم لا ينسى والديان لايموت)، والصدقة تطفى غضب الرب.
ببالغ الحزن والأسى تلقيت بالأمس خبر وفاة رجل البر والإحسان الشيخ فريح العقلا، رحمه الله وغفر له وجعل جنة الخلد مأواه ووسع له في قبره وجعله روضة من رياض الجنة مثل ما وسع وأعطى للناس وفرج عن المحتاجين والضعفاء والمساكين..
لقد فقدت الدنيا الشيخ فريح العقلا، الرجل التقي النقي الصالح، والقدوة الإنسانية التربوية والأخلاقية الذي قضى حياته في عالم الزهد والتقى، وتكريس الأعمال الصالحة ومساعدة المحتاجين، فلم تكن بوصلة اهتمامه تتجه إلى المال والانغماس في حب الدنيا وزخارفها، بل كان رجلًا تقيًا انصرفت حياته الإيمانية إلى محطات الزهد والعبادة والورع، والتقوى وأعمال البر والإحسان.
وما قام به الشيخ فريح العقلا رحمه الله من أعمال خيرة لا يخفى على أحد، وبخاصة سكان محافظة جدة، فجهوده يعرفها الصغير قبل الكبير، وكان من أوائل أعماله “المشروع الخيري للزواج” فقد أسسه منذ أكثر من ثلاثين عامًا، والشيخ كان من رجال الخير الذين يقدمون بيمينهم ما لا تعلمه شمالهم، ومن ضمن أعماله التى لا يعرفها الكثيرون بناء عدة مساجد ودور أيتام ومراكز إسلامية وإعانة كثير من الأسر الفقيرة داخل السعودية وخارجها..
استوقفني كثيرًا رجال لهم شأن كبير في المجتمع ولهم أعمال جليلة ساعدوا فيها أناس كثير، لكن هناك من هو مختلف تمامًا عن باقي الرجال فمنذ أن عرفته كان رجلًا للبر والإحسان والخير والعلامة الفارقة في العطاء والجود والكرم على الفقراء والمساكين والمحتاجين وقضاء حوائجهم بكل أريحية وصفاء نفس وبدون ملل.
ها أنا الآن أتوقف عن الكتابة مؤقتًا لأسطر هذه الكلمات لأعبر من خلالها عن بعض ما يجيش في صدري من أحاسيس وحب لهذا الإنسان الكريم الذي لم تفارقه الابتسامة أبدًا، فقد كان شمعة جدة المضيئة في الخير والعطاء ومن أصحاب الأيادي البيضاء يشهد له في كل حين ولحظة وتدعو له بالرحمة والغفران ليلًا ونهارًا حيث أن تفانيه رحمة الله عليه وإخلاصه جعله يوفق في معظم مساعيه الخيرة..
صحيح أن الموت غيب الشيخ فريح العقلا، لكنه مازال موجدًا بأعماله، فالرجل المشهود له بأنه من أحسن الرجال وأعظمهم وأكرمهم، وتبقى الأقلام عاجزة عن وصف صفاته، فصفاته الحميدة لن تكفيها سطور أو مجلدات أو مقالات، فكيف يتمكن القلم أن يستوفي سيرة رجل بحجم الشيخ فريح العقلا الذي رحل عن هذه الدنيا وترك إرثًا ثمينًا عظيمًا متنوعًا من العلاقات المتميزة، ومن الأخلاق الحميدة، ومن الطيبة ومن التواضع، وأعمالًا للخير والبذل والعطاء، ومن حُب الخير وحُب المساكين، فمهما كُتب في هذا الرجل فلن تتمكن الأقلام أن تستوفيه حقه.
كما اتصف رحمه الله بحسن الخُلق لأنه كان يؤمن أن الأخلاق الحسنة والقيم الفاضلة لها مكانة عظيمة في الإسلام، ولا يصح الإيمان، بدونها يقول الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا)، ومكارم الأخلاق – لاريب – أثقل شيء في ميزان يوم القيامة..
والشيخ فريح العقلا كان صاحب قيم فضيلة وشيم أخلاقية، وصاحب قلب نقي وتقي يتسع حبًا ومودةً لأحبابه ومعارفه، ويملك قلبًا لا يعرف الكراهية والضغينة والأحقاد والحسد، بل كان صاحب قلبًا سليمًا منصرفًا للخير والعمل الصالح، متذكرًا قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.
*ترويقة:*
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ـ إنا لله وإنا إليه راجعون ـ فقد كان من أحسن الناس أخلاقًا الموطؤون أكنافًا الذين يألفون ويؤلفون، ومن أطيب الناس وأكرمهم قلبًا، كريمًا، سخيًا، عطوفًا، لا يرد أحدًا محتاجًا، وكان دائمًا يُقدم المساعدة لمن يحتاجها ويسعى لإسعاد الناس ويُرسم البسمة على وجوههم، ويتلذذ بمساعدة المحتاجين والتواصل معهم وتلمس احتياجاتهم.
*ومضة:*
قال تعالى: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي»..
من هنا أتقدم بخالص العزاء لأبنائه وإلى كافة أسرة العقلا وإلي محبي الشيخ واصدقاء الكرام، رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*