قابيل

قابيل

شعر: عزالدين ميهوبي

 

 

1

المسافة ما بين إثمٍ وآخر

تفّاحةٌ

والخطيئةُ إغواءُ أُنثى..

وأفعى اكتستْ ملمسًا من نبيْ

بقايا دمٍ في يديْ

أبي لم يقل أيّ شيْ

ونام حزينا على قبر هابيلَ

لولا الغرابُ الذي قال لي:

أيّ ذنبٍ أتيتْ

بدمعي اكتويتْ

أبي..

ليتني لم أخنْ شجَرًا كان يحرسني

ليتني بيدٍ منكَ

كنتُ احتميتْ

ليتني غيمةً أمطرتْ فوق قبرِ أخي

موسمًا من بكاءٍ وزيتْ

 

ليتني

لم أكنْ بذرةً من دمٍ

ترتوي الأرضُ منهُ

فيطلعُ قابيلُ في كلّ بيتْ

ليتني من دمي

ما ارتويتْ

 

2

 

أيها الطالعون من الموتِ

لا تكتبوا قصتي في الخطايا

ولا تذكروا عندما يشتهي الدّمُ

قابيلَ

إنّي كوشمٍ بكلّ الوصايا

أنا لعنةُ الأرضِ والليل..

والموسمِ العدميّ

أنا من تفتّقَ في شفتيهِ سؤالهْ

أنا واحدٌ

والذين يجيئون بعدي..

يصلّون حولي

سُلالهْ

هو الموتُ مقبرةٌ

يجدلُ الطفلُ منها حِبالهْ

 

3

 

قرأتُ النواميسَ

ألمحُ في موعدِ الوحيِ طِفلاَ

وأسألُهُ

لا يجيبُ

ولا شيء غير الخطيئةِ

تُنبِتُ في آخر العُمر دِفْلَى

 

كأفعى على قبرِ هابيلَ

تنزاحُ نحوي

فأبكي

وحيدًا أنامُ على سِدْرِ شوْكِ

أنا المستحيلُ الذي صاح عند ولادتهِ

انعمُوا بطباعِ الذّئابْ

غدا تذبحُ الأرضُ ما تشتهي

ويموتُ الترابْ

ولهابيلَ أنْ يستريحَ

ويقرأ عند القيامةِ سِفرَ الخرابْ

 

4

 

ستأتُون بعدي..

وتنسونَ هابيلَ والأنبياءْ

وتقترفون الخطيئةَ في هيرُوشيمَا

وفي العامريّةِ

في غزّةٍ..

يستحي الموتُ منّي ومنكم..

ويمسي رحيمَا

ستأتون بعدي..

وتكبرُ مقبرةٌ من دمي..

والطقوس التي ألِفَتْها العيونُ

تصيحُ كبُومٍ..

وتحفرُ قبرًا صمُوتْ

وتكتبُ: قابيلُ كانَ هنا..

قطرةً من دمٍ لا يموتْ

 

5

 

قد تموتُ العصافيرُ

يفنى الشجرْ

ويخرجُ هابيلُ من قبرهِ

يسألُ النّاس عني

فيلمحُني في التوابيتِ..

في مأتمٍ تستوي فيه أغربَةٌ بالبشرْ

وتطلعُ من دمهِ وردتانِ

وداليةٌ من حجرْ

 

قد يغيبُ القمرْ

يختفي الصّحوُ في زخّةٍ للمطرْ

كلُّ من قتلتهُ القبيلةُ

باسمكَ قابيلُ

عند الجنازةِ يُصبحُ في عُرفهمْ منتصِرْ

 

هي الأرضُ مقبرةٌ

والنّعوشُ بها أحصِنهْ

يصلّي المسيحُ بلا مئذنهْ

محمّد يسألُ معراجهُ والنبيّين

عن أمّةً لم تزل تائههْ

أمّةً نصفُها بشرٌ..

وبقيّتُها آلههْ

يختفي اللّوحُ من كف ّ مُوسى

وأبقى أصيحُ وحيدًا:

خطيئتُكم أنّ هابيلَ لم تزرعوهُ بأفئدةٍ

سكنتها الذّنوبْ

وفرِحتُم لأنّ الخطيئة تسكُنني..

بيدي حجرٌ ودمٌ..

وفمٌ يشتهي أن يتوبْ

أيها الناس.. توبوا

فقابيلُ ماتَ

وشمسٌ تفتّشُ عن دفئها

في القلوبْ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى