أبو العتاهية ومحمد بن أمية

✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :

عن محمد بن يزيد قال: بلغني من غير وجه: أن الرشيد لما ضرب أبا العتاهية وحبسه، وكل به صاحب خبر يكتب إليه بكل ما يسمعه. فكتب إليه أنه سمعه ينشد:
أما والله إن الظلم لؤم
. ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي
. وعند الله تجتمع الخصوم
قال: فبكى الرشيد، وأمر بإطلاق أبي العتاهية وإحضاره، وأمر له بألفي دينار.
ومن أخبار أبي العتاهية قال محمد بن أمية: كنت جالساً بين يدي إبراهيم بن المهدي، فدخل إليه أبو العتاهية، وقد تنسك ولبس الصوف، وترك قول الشعر إلا في الزهد، فرفعه إبراهيم وسرّ به، فقال له أبو العتاهية: أيها الأمير؛ بلغني خبر فتى في ناحيتك ومن مواليك يعرف بابن أمية، يقول الشعر، وأنشدت له شعراً أعجبني، فما فعل…؟
فضحك إبراهيم، ثم قال: لعله أقرب الحاضرين مجلساً منك.
فالتفت إليّ فقال: أنت هو فديتك…؟
فقلت له: أنا محمد بن أمية جعلت فداءك…! وأما الشعر فإنما أنا شاب أعبث بالبيت والبيتين والثلاثة كما يعبث الشاب.
فقال لي: فديتك؛ ذاك والله زمان الشعر وإبانه، وما قيل فيه فهو غرره وعيونه، وما زال ينشطني ويؤنسني حتى رأى أني قد أنست به.
ثم قال لإبراهيم بن المهدي: إن رأى الأمير، أكرمه الله، أن يأمره بإنشادي ما حضر من الشعر.
فقال لي إبراهيم: بحياتي يا محمد أنشده، فأنشدته:
رب وعد منك لا أنساه لي
. أوجب الشرك وإن لم تفعلي
أقطع الدهر بظن حسن
. وأجلي غمرة ما تنجلي
كلما أملت لا تدني الذي
. أرتجي منك وتدني أجلي
فبكى أبو العتاهية حتى جرت دموعه على لحيته، وجعل يردد البيت الأخير منها وينتحب، وقام فخرج وهو يردده ويبكي، حتى خرج إلى الباب.
وروي أن أبا العتاهية مر بدكّان ورّاق وإذا بكتاب فيه:
لا ترجع الأنفس عن غيها
. ما لم يكن منها لها زاجر
فقال: لمن هذا البيت. فقيل: لأبي نواس قاله للخليفة هارون الرشيد حين نهاه عن حب الجمال وعشق الملاح، فقال: وددت أنه لي بنصف شعري.
وسئل النخعي عن البناء فقال: وزر ولا أجر، فقيل: بناء لا بد منه، فقال: لا أجر ولا وزر. وقال سلمة الأحمر: دخلت قصر الرشيد فقلت:
أما بيوتك في الدنيا فواسعة
. فليت قبرك بعد الموت يتسع
فجعل هارون يبكي. (وهذا البيت لأبي العتاهية)

Related Articles

Back to top button