دع الأماكن تذكرك بخير

✍ صالح الريمي :

هناك أناسٌ لا تجدهم إلا في مواطن الخير وجبر الخواطر، حاملين في أعماقهم قيمًا عزيزة، وشيمًا كريمة وخصالًا نبيلة، كبيرين بأفعالهم وأقوالهم ومواقفهم، مترفعين عن توافه الأمور وصغائرها، نُبلًا أولئك الذين يؤمنون بأن الحياة رحلةٌ ولا يبقى منها إلا حُسن الأثر وسيبقى الود محفوظًا في أعماق قلوبنا لمن عبرُوا حياتنا وكان لعبُورهم معنى ومازالوا بالنسبة لنا شيئًا جميلًا لا ينسى..
من هذه المقدمة أنقل لكم قصة حقيقة بتصرف، فيها تفنن في إعطاء الصدقة وجبر الخواطر وحفظ كرامة الفقير، بطل هذه القصة هو صاحب مطعم، كان انموذجًا رائعًا لنا في كيفية المساعدة دون إحراج الفقير.

يقول راوي القصة:
بينما أنا أنتظر تجهيز طلبي في أحد المطاعم لشراء غذاء لأسرتي، جاء رجل يظهر أنه رقيق الحال، فسأل صاحب المطعم بكم الدجاجة؟ فقال له بكذا، فخرج الرجل الفقير ورأيته يحسب ويعد في فلوسه، ثم دخل وقال لصاحب المطعم، لو سمحت ممكن تشوف دجاجة صغيرة بثمن أقل، فإذا بصاحب المطعم يأخذ تليفونه ويرد على مكالمة، ‏وفي نفس الوقت يشير للرجل برأسه كأنه يقول له حاضر وهو يبتسم ويظهر عليه السرور وسرعان ما أنهى المكالمة..
ثم قال الحمد الله ياربي على هذه النعمة وهذا الفضل، وقام بإخراج دجاجة كبيرة مشوية وقدمها للرجل الفقير، وقال له وجهك وجه الخير لقد رزقت بولدين توأم، وهذه هدية مني لك ياوجه الخير والبركة.

أ‏خذ الرجل الهدية وفرح بها ودعا له أن يبارك له فيهم، وخرج من عنده فرحًا مسرورًا وبينما أنا أنظر لما يحدث، أحضروا لي طلبي وقمت بدفع النقود لصاحب المطعم وهنئته على المولدين الجدد، فضحك وقال: والله لم يأتي لي ولد ولا إثنين ولم يتصل بي أحد، ‏وإنما هى فكرة خطرت ببالي كي أساعد هذا الرجل الفقير وقد لاحظت أنه محتاج ويريد شراء دجاجة لعائلته ونقوده لا تكفي، وهو ممن لا يسألون الناس الحافا وتحسبهم أغنياء من التعفف، فقمت بعمل ما رأيته حتى احفظ له كرامته ولا يشعر أنها صدقة فقدمتها له كهدية. انتهت القصة ولم ينتهِ الكلام.

كم أحب الشخص الذي يسعى ليجبر الخواطر، يعين شخصًا ارهقته متاعب الحياة بلمسه حانية أو كلمة لطيفة تعيدله شغفه للحياة، فالعطاء الذي نقدمه بشغف وحماسة، أيًا كان نوعه: وقتًا أو مالًا أو مجهودًا، سيعود بالنفع علينا وعلى الآخرين وعلى المجتمع بأكمله..
لا يعرف طعم الإحسان وفضل الإحسان إلا المحسن، راقب نفسك حينما تخدم إنسانًا أو تنفس كربة عن إنسان أو تيسر مشكلة لإنسان أو تخفف الهم عن إنسان ألا تشعر أنك تتقرب من الواحد الديان وستعيش في لذة لا يعرفها إلا من مارس أعظم عبادة، وهي جبر الخواطر.

*ترويقة:*
جميل أن تستمع إلى هموم الاخرين، والأجمل أن تشاركهم الهم، وهذا أجر، فإذا استطعت مساعدتهم فالأجر أكبر، فكل يوم حاول أن تساعد شخصًا أو تخفف عنه ألمًا أو تقضي له حاجةً، أو تقضي له دينًا،
فإذا رأيت أحدهم منطفئًا فحدثه كثيرًا عن مزاياه،
وحدثه عن جمال قلبه وروحه، وحدثه أنه أجمل شخص على وجه الأرض، وابتسم له إبتسامة حب
وانثر عليه كلماتك الطيبة، وكرر ذلك واستمر
حتى ترى منه الإضاءة والإشراق.

*ومضة:*
‏اترك أثرًا في كل طريقٍ تمُر به، حديثًا لطيفًا، ابتسامةً جميلة، خُلقًا رفيعًا، دع الأماكن تذكُرك بخير، حتى إذا نسيك جميع البشر.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى