أدب أبناء المأمون مع معلمهما
✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون:
من تواضع ابني المأمون بن هارون الرشيد لمعلمهما روي أنه وكل المأمون الفرّاء يلقّن ابنيه النحو، فلما كان يوماً أراد الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه، فاصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فرداً فقدماها، وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر، فرفع ذلك الخبر إليه، فوجه إلى الفراء فاستدعاه، فلما دخل عليه قال: من أعز الناس…؟
قال: ما أعرف أعز من أمير المؤمنين.
قال: بلى؛ من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين حتى رضي كل واحد أن يقدم له فرداً.
قال: يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما عن ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها، أو أكسر نفوسهما عن شريعةٍ حرصا عليها.
فقال له المأمون: لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوماً وعتباً وألزمتك ذنباً، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما وبين عن جوهرهما، ولقد ظهرت لي مخيلة الفراسة بفعلهما، فليس يكبر الرجل وإن كان كبيراً عن ثلاث: عن تواضعه لسلطانه ووالده ومعلمه العلم، وقد عوضتهما بما فعلاه عشرين ألف دينار، ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهما.
وفي تعليم في أدب العلماء والأمراء قال الأصمعي: دخل الحارث بن مسكين على المأمون فسأله عن مسألة، فقال: أقول فيها كما قال مالك بن أنس لأبيك هارون الرشيد، وذكر قوله فلم يعجب المأمون، فقال: لقد تيّست فيها وتيّس مالك. قال الحارث بن مسكين: فالسامع يا أمير المؤمنين، من التيسين أتيس. فتغيّر وجه المأمون. وقام الحارث بن مسكين فخرج، وتندّم على ما كان من قوله. فلم يستقر في منزله حتى أتاه رسول المأمون، فأيقن بالشر، وليس ثياب أكفانه، ثم أقبل حتى دخل عليه فقرّبه المأمون من نفسه، ثم أقبل عليه بوجهه فقال له: يا هذا، إن الله تبارك وتعالى قد أمر من هو خير منك بإلانة القول لمن هو شرّ مني، فقال لنبيه موسى صلى الله عليه وسلم إذ أرسله إلى فرعون: (فقولا لهُ قولاً ليِّناً لعلهُ يتذكرُ أوْ يخشى). فقال: يا أمير المؤمنين، أبوء بالذنب وأستغفر الرب. قال: عفا الله عنك، انصرف إذا شئت.