تأديب هارون الرشيد لأولاده

✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون:

عن إبراهيم الموصلي قال: كنت بين يدي هارون الرشيد والناس يعزونه في ابن له توفي في الليل ويهنئونه في الآخر ولد في تلك الليلة، فدخل عبد الملك بن صالح الهاشمي، فقال له الفضل بن الربيع: عزِّ أمير المؤمنين في ابن له، وهنّئه بآخر وُلد فيها، فقال عبد الملك بن صالح: يا أمير المؤمنين! سرك الله فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرك، وجعل هذه بهذه جزاء للشاكر وثوابا للصابر.
ومن أخبار الرشيد مع مؤدب ولده، أنه أرسل الرشيد إلى الأحمر النحوي فلما دخل عليه قال: يا أحمر، أن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه وصيّر يدك عليه مبسوطة ومقالتك فيه مصدقة وطاعتك عليه واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن، وعلمه الآثار والأخبار والسنن، وروّه الأشعار، وبصّره مواقع الكلام، ومره بالرزانة في المجلس، والاقتصاد في نظره وسمعه، فلا تمرنّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فيها فائدة تفيده إياها، وكلمة نافعة يعيها ويحفظها، من غير أن تخرق به فتميت ذهنه وتملّه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقومه بالتقريب والملاينة، فإن أبى فالشدة.
وفي وصية لطيفة للشافعي، عن نهشل بن كثير عن أبيه قال: أُدخل الشافعي يوما إلى بعض حجر هارون الرشيد يستأذن على أمير المؤمنين، ومعه سراج الخادم، فأقعده عند أبي عبد الصمد مؤدب أولاد الرشيد، فقال سراج للشافعي: يا أبا عبد الله هؤلاء أولاد أمير المؤمنين وهذا مؤدبهم، فلو أوصيته بهم.
فأقبل على أبي عبد الصمد فقال له: ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحك نفسك، فإنّ أعِنَّتهم معقودة بفيك، فالحسن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما تركته، علّمهم كتاب الله، ولا تكربهم عليه فيملوا، ولا تتركهم فيهجروه، ثم روّهم من الشعر أعفّه، ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجنّهم من علم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للسمع.
ومن الثقة بالمعلّمين يحكى أنه ضرب أبو مريم مؤدب الأمين والمأمون الأمين بعود فخدش ذراعه، فدعاه الرشيد إلى الطعام فتعمد أن يحسر عن ذراعه، فرآه الرشيد، فسأله فقال: ضربني أبو مريم.
فبعث إليه ودعاه، قال: فخفت، فلما حضرت قال: يا غلام وضئه، فسكنت وجلست آكل، فقال: ما بال محمد يشكوك…؟
فقلت: قد غلبني خبثاً وعرامة…!
قال: أقتله، فلأن يموت خير من أن يموق.
ودخل سهل بن هارون على الرشيد، فوجده يضاحك ابنه المأمون، فقال: اللهم زده من الخيرات، وابسط له في البركات، حتى يكون كل يوم من أيامه موفّياً على أمسه، مقصّراً على غده؛ فقال له الرشيد: يا سهل، من روى من الشعر أحسنه وأجوده، ومن الحديث أصحه وأبلغه، ومن البيان أفصحه وأوضحه، إذا رام أن يقول لم يعجزه. قال سهل: يا أمير المؤمنين، ما ظننت أن أحداً تقدمني سبقني إلى هذا المعنى؛ فقال: بل أعشى همدان حيث يقول:
وجدتك أمس خير بني لؤي
. وأنت اليوم خير منك أمس
وأنت غداً تزيد الخير ضعفاً
. كذاك تزيد سادة عبد شمس

Related Articles

Back to top button