من سفر المناجاة
إلى إخواننا في فلسطين الحبيبة
شعر:د. عبد العزيز محيي الدين خوجة
توقٌ إلى برقِ الأسنَّةِ والرّماحِ السّمهريَّةِ في المدى
توقٌ تسرّبَ في الجراحِ وقد تلفّعَ بالجَوى
وعبيرُه في الرُّوحِ ريحانٌ تسربلَ باللّظى
مَزّقتُ أورِدتي فسال نجيعُها
يصطادُ في الأحلامِ أجنحةَ الرُّؤى
أطلقتُ كلَّ سلاسلي
طيري..
خذي الحلمَ المؤثّلَ في الرّدى
وخذي الأغاني مِن أغاريدِ البنادقِ والسّيوفْ
شهدُ الحياةِ على شفاهِ النّقعِ مِن ثغرِ الحُتوفْ
ضُمي إليكِ الشّمسَ واحترقي شذَى
طوفي مع الملكوتِ نجمًا مُسهَدا
حُطّي على كتفِ المجرَّةِ كالقدَرْ
قمري هناك نسيتُه
وتركتُه أحلى قمرْ
مدّي يديكِ إلى السّماءِ وعانقيهْ
لا تتركيهِ على المدارِ وقد تجمَّدَ في المدارْ
شُدِّي إليكِ ذراعَه
دورا معًا نارًا .. سُعارْ
مدّي ذراعَكِ واخطُفيهْ
كالطّفلِ يقطفُ مِن حدائقِه النّجومْ
ما زلتُ في الذّكرى
ألملمُ آهةَ الأحلامِ مِن غدَقِ الغيومْ
هزّي إليكِ بجذعِها تَسّاقطُ الأثمارُ غيثًا مِن مطرْ
تتباعدُ الأيّامُ
لكنْ في الهواجسِ لمْ تزَلْ نفْحًا عطِرْ
عودي بربّكِ واسمَعي لي
لا تقولي العمر ولّى .. لا تقولي
لمْ يزَلْ نبضُ الرّجولةِ في عهودي
لمْ يزَلْ زندي يلوِّحُ بالبنودِ
لم تزَلْ فرسي ترنَّمُ بالصّهيلِ
لا .. لا تقولي العُمر ولّى .. لا تقولي
عودي فإنّي ما اعتبرتُكِ قطُّ خائنةً عهودي
ما رميتُ هواكِ في بئرِ الجُحودِ
لمْ أزَلْ أحيا بقلبِ الفارسِ الشّهمِ النّبيلِ
فلا تقولي العُمر ولّى .. لا تقولي
* * *
عودي لنا وردًا تدثَّر بالعبيرِ
ولتحضُنيني .. ضمّخيني بالشّذى
بالطّيبِ والعبَقِ النّظيرِ
فلم يزَلْ صوتُ المؤذِّنِ في ضميري
«الله أكبرُ» في المدى
هي لم تزَلْ تُغني شُعوري
عودي لروحي وارفَعيها
رايةً تزهو على ساحِ الرّدى
عُودي لنا
برقًا يُقهقِهُ بالرُّعودِ
ولم تزَلْ في السّمعِ أنغامُ الصّدى
تشدو بما فعلتْ جُدودي
عودي لنا
راياتُنا في الأفْقِ تحلُمُ أنْ تَعودي
شوقُنا في الشّمسِ يعزِفُ
مِن هواك رُؤى نشيدي
عودي لنا
للعادياتِ الضّابحاتِ السّابحاتِ إلى الحدودِ
الحاملاتِ بنودَنا وحنينَنا وجنونَنا
وكؤوسَ أنخابِ الشّهيدِ
والعازفاتِ لحونَنا
بسنابكِ البأسِ الشّديدِ
فلا تقولي: العمر ولّى لا تقولي!
* * *
لم يبقَ في روحي بقايا مِن قُيودي
فلمْ يزلْ همسُ السّنابلِ في حقولِي
لم تزَلْ في الصّدرِ أحلامُ تؤجِّجُ في وريدي
عودي لنا نارًا .. جهنّمُ في فتيلي
فرَسي مسرّجَةٌ وحُلْمي قد تعدّي الشّمسَ
والفلكَ المحالْ
كي لا تَقولي الحلْمُ ولّى
أو تقولي الظلّ مالْ
عودي لنا
في العمرِ آلامٌ طِوالْ
عودي لنا
الأمجاد تحكي للوجودِ
لا تقولي لم يعدْ في الأرضِ مُتّسَعٌ لحُبِّ
لا تقولي لم يعدْ في الزّرعِ ما يجدي لقلبِ
عودي لنا.