تجليات الحزن والأمل في القصيدة الصفحة الأخيرة للشاعر خليل عيلبوني

د. فاطمة الحسيني:

يُثير عنوان هذه القصيدة ” الصفحة الأخيرة” أسئلة كثيرة حول العلاقة بين كلمتي الصفحة والأخيرة من جهة، ولماذا صاغ الشاعر عنوان قصيدته بهذه الطريقة من جهة ثانية؟
إنه من خلال هذا العنوان يخبرنا ضمنيا بأنه غير راض بما مر من حياته، يقول:
وهذه النهاية ليست تسر °°°وليست بأمري وعمري جديرة
ويقول:
وهذي النهاية ليست تليق°°° لتصبح صفحة عمري الأخيرة
يستشف من السياق، إنه سيقلب الصفحة الأخيرة ليبدأ في صفحة جديدة، غير الصفحة الأخيرة التي تحيل معانيها على المعاناة والحزن والهم والقلق والأسى، مما يجعل النزعة التشاؤمية طاغية ومهيمنة، فالقصيدة أبياتها تفيض بالحزن والألم العميقين من جراء ما تجرعه الشاعر من كؤوس المعاناة وظلم ذوي القربى، يقول:
وحيد أنا مع همومي الكثيرة °°° وفكري جحيم أقاسي سعيره
وما الهم من صنع نفسي ولكن °°° أتى الهم من أسرتي والعشيرة
إن التفاعل الذي ينجم عن الربط بين الهم والهموم الكثيرة ومصدر هذه الهموم، ليس من صنعه بل أتى من الأسرة والعشيرة رغم ما قدمه من حب وتضحيات، يقول:
أنا لم أعش ذات يوم لنفسي °°° وتثبت هذه الحقيقة سيرة
أنا عشت عبدا لحب كبير °°° ونفسي بذا الحب كانت كبيرة
وهبت الأحبة أيام عمري°°° ولم تك أيام عمري قصيرة
أردت لهم أم يعيشوا بأمن °°°وأجنحة الأمن كانت كسيرة
فلم أستطع أن أحلق إلا °°°إلى أمنيات الحياة الصغيرة
انتقال الشاعر من التلميح إلى التصريح يرتبط بالظروف المحيطة بسياق القصيدة، مما يجعله یعبر بصدق وحرارة عن وجع الأهل وجورهم وظلم الحبيبة وصدودها رغم نداءاته المتكررة:
يناديك عقلي…يناديك قلبي °°° فأنت لعقلي وقلبي مثيرة
تناديك روحي وكل جروحي °°° فلبي النداء وكوني الأميرة
لذلك، فإن هيمنة حضور ضمير المتكلم بأنواعه (البارز والمستتر، المتصل والمنفصل) له وظيفة دلالية إثباتية عميقة على مشاعره وعواطفه النبيلة، تؤيد إصرار الشاعر على بيان ما يعاني منه بصدق، ومن ثمة يستمد ضمير المتكلم ﺳﻠﻄﺔ ﻛﺒيرة داﺧﻞ اﻟﻨﺺ مقابل إحالة الضمائر الأخرى الخاصة بالأهل والعشيرة.
على مستوى سيناريو إخراج القصيدة من حيث توالي المراحل الزمنية وتسلسلها، وحضور الشخصيات والحوار والموسيقى المصاحبة والطبيعة والمكان والفضاء المفتوح…، فإن كل الصور واللقطات والمشاهد تنبعث منها دلالات العنف بمختلف تجلياته (العنف اللفظي والعنف الرمزي…)
وتجسد العلاقة بين لغة القصيدة والأبعاد البصرية للصور، معاني مكثفة نفسية وعاطفية عميقة، وهي معان واردة بقوة في القصيدة بفضل قدرة الشاعر على إحكام تقنيات البناء الفني لقصيدته واختيار المعجم الشعري المناسب و المؤثر على المتلقي بكل ما يحمله من دلالات الحزن والأسى والهم…
القصيدة محطات سفر في حياة الشاعر، وإذا كانت الصفحة أحد وجهي الورقة الواحدة، فالصفحة الأخيرة تؤذن دائما بأفق لبداية جديدة، لصفحة جديدة…
في علاقة بالسياق، أستحضر قول محمود درويش:
(وأنت في طريقك للبحث عن حياة، لا تنس أن تعيش.)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى