مديح الخليفة هارون الرشيد
✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون:
من أجود شيء قيل في الحسن مع الشجاعة من شعر المتقدمين ومن شعر المحدثين قول أبي العتاهية يمدح الرشيد وولده:
بَنو المصطفى هارون حول سريره
. فخير قيامٍ حَوْله وقُعُودِ
تُقلِّبُ ألحاظَ المهَابة بَيْنهم
. عُيونُ ظِباء في قلوب أسُودِ
وعن أبي عثمان المازني قال لما أتى الرشيد الرقة تلقاه محمد بن ذؤيب العماني فأنشده:
هارونُ يا ابن الأكرمينَ حسباً
. لما ترحَّلتَ وكنتَ كَثَبا
من أرضَ بغدادَ تؤمُالمغربا
. طابتْ لنا ريحُ الجنوبِ والصَّبا
ونزلَ الغيثُ لنا حتى رَبا
. ما كانَ من نشرٍ وما تصوّبا
فمرحباً ومرحباً ومرحبا
فقال الرشيد وبك مرحباً وأهلا، ووصله بصلة سنية.
واجتمعت الشعراء يوماً بباب الرشيد، فسألوا الإذن، فلم يأذن لهم، ثم بدا له، فقال للحاجب: أخرج إليهم فقل لهم: من اقتدر أن يمدحنا بالدين والدنيا في ألفاظ قليلة فليدخل. فبادر ابن أبي السعلاء فاستأذن، فقال للحاجب: أدخله. فأدخله. فقال له الرشيد: أنشدني قولك:
أغيثاً تحمل الناق
. ة أم تحمل هارونا
فقال: أنشدك ما اخترته وشرطته اليوم، فقال: بل أنشدني الأبيات فأنشده:
أغيثاً تحمل الناق
. ة أم تحمل هارونا
أم الشمس أم البدر
. أم الدنيا أم الدينا
ألا بل أرى كل ال
. ذي عددت مقرونا
على مفرق هارون
. فداه الآدميونا
قال: فأجزل له في العطاء، فاجتمع عليه الشعراء ففرق عليهم صلته. وكان الرسم في ذلك الزمان إذا وصل الخليفة أحداً من الشعراء وحرم الباقين أن يصلهم ذلك الشاعر ويعطيهم على منازلهم ومراتبهم. وكان ابن أبي السعلاء تصدى لهارون بالمدينة وهو حاج، وقد خرج عنها يريد مكة على راحلة، فارتجل الأبيات السابقة رافعاً بها صوته، وأعطاه عليها مالاً جزيلاً.
ولما قدم الرشيد قافلاً من بعض غزاته، وقد ظفر وغنم، أنشد ابن أبي السعلاء قصيدته التي يقول فيها:
قرّت عيون المسلم
. ين بمقدم الملك الرشيد
قرت به عين القري
. ب من الرعية والبعيد
بين المنابر والمجا
. لس والمدائح والنشيد
هارون أنت خليفة
. صوِّرت من كرم وجود
الناس من طين وأن
. ت البدر في فلك السعود
وهم كأيام الشهو
. ر وأنت فيهم يوم عيد
ومما يُختار لابن أبي السعلاء قوله في الرشيد يمدحه:
قل للإمام الهاشمي الذي
. عليه تاج الملك معقود
بلغت بالجود مدى غاية
. قد كان عنها قصر الجود
هارون بدر باهر زاهر
. تنجاب عنه الظلم السود
ومما يستملح قول أبي السعلاء أيضاً:
إن للموكب نوراً
. ساطعاً يغشي العيونا
أترون البدر فيه
. أم أمير المؤمنينا
وولاة العهد عطفي
. ه شمالاً ويميناً
وعن علي بن عيسى بن جعفر قال: كنت صبياً في دار الرشيد، فرأيت شيخاً ينشد والناس حوله:
ليس للإنسان إلا ما رزق
. أستعين الله بالله أثق
علق الهم بقلبي كله
. وإذا ما علق الهم علق
بأبي من كان لي من قلبه
. مرة ود قليل فسرق
يا بني الإسلام فيكم ملك
. جامع الإسلام عنه يفترق
لندى هارون فيكم وله
. فيكم صوب هطول وورق
لم يزل هارون خيراً كله
. قُتل الشر به يوم خُلق
فقلت لبعض الهاشميين: أما ترى إعجاب الناس بشعر هذا الرجل…؟ فقال: يا بني، إن الأعناق لتقطع دون هذا الطبع. قال: ثم كان الشيخ أبا العتاهية، والذي سأله إبراهيم بن المهدي.