إنه اللطيف الخبير

✍ صالح الريمي :

كم مرة يقترب الفرج فتظن أنك مدركه لا محالة، ثم يبعده الله عنك لأنك لازلت بحاجة لتمحيص، أو لم تنجح بعد في هذا الابتلاء، أو لازال قلبك متعلق بالبشر في تفريج هذا الكرب، ولم تتطهر تطهيرًا كاملًا من التعلق بالأسباب، ولم يتجرد قلبك لمسبب الأسباب سبحانه، أو ربما تأخر الفرج ليستخرج الله منك عبوديته أو ليعرفك على كمال فضله وبره أو لأي حكمة يعلمها الحكيم الخبير..
سأحكي لكم قصة من ألطاف الله علينا يسوقها اللطيف الخبير سوقًا لعباده، هذه القصة عشت أنا أحداث تفاصيلها بنفسي، يومًا كانت عندي مراجعة في إحدى مستشفيات جدة، وبينما أنا أدفع رسوم الفحوصات، أتى رجل في الأربعين من العمر وهو في حالة يرثى لها من الهم والحزن والعجز، يقول لموظف الإستقبال، زوجتي تتوجع من ألم المخاض، فقال له: ادفع خمسة آلاف ريال مقدمًا تحت الحساب.

ومازال الزوج يتوسل للموظف، لكن دون جدوى أو اعتبار لحالة الزوجة الصحية الخطيرة، وبينما أنا أتابع الحوار محاولًا المساعدة والشفاعة قدر استطاعتي، إلا أن موظف الإستقبال لم يستجيب، قائلًا حسب نظام المستشفى لازم تدفع هذا المبلغ قبل الدخول..
وأنا أسمع توجع الزوجة وتوسلات زوجها، أدخلت يدي في جيبي وأخرجت بطاقة الصراف الآلي لعلي أجد فيها بعضًا من المال لمساعدة الرجل، لكن للأسف الشديد لم يكن فيها إلا ألف وسبعمائة ريال فقط، فرفض الموظف طالبًا المبلغ الخمسة آلاف كاملةً.

وبينما أنا والزوج نتوسل محاولين رحمة موظف الإستقبال بإدخال الزوجة، قلت للموظف أنا سأتكفل بباقي المبلغ فقط أدخل الزوجة للعلاج سريعًا، لكنه رفض أيضًا، فجأة دخل علينا “شاب كول – كما يسمونه – صاحب قصة عجيبة، يلبس بنطال برمودا وجزمة من غير شراب، ولا ألمح عليه أي علامات الصلاح والتقوى فيما كنت أظن حينها..
فقال الشاب ما الخطب؟ وما المشكلة؟ شرح له الموظف الموضوع، وبدون تردد أخرج بطاقة الصراف الآلي وقال للموظف: اخصم الخمسة آلاف ريال، ونحن الثلاثة في حالة ذهول من الموقف. دفع الشاب المبلغ وذهب في حاله دون أن يتفوه بكلمة أو ينتظر شكرًا أو يعطينا رقم حسابه، سبحان الله شيء عجيب، إنه اللطيف الخبير وهو لطيف بعباده.

*تعليق:*
ذهب الشاب وذهبت أنا في تفكيري السلبي تجاه الشاب، أستغفر الله وأتوب إليه فيما كنت أظنه فيه، انتهت القصة، ولم ينتهِ الحديث عن اللطيف الخبير المرتب للأمور، من أرسل الشاب لمساعدة المريضة وزوجها؟ إنه الرحمن الرحيم اللطيف بعباده في وقت المحن الشدائد.

*ترويقة:*
تكون عندك حاجة، فلا تعلم أين تطرحها؟ ثم يسوق الله لك أحدًا من أقصى الأرض، فيجمع الله بينكما من غير سابق معرفة ولاميعاد، ثم يقضي الله حاجتك على يديه، وأنت الذي لو طفت الأرض كلها شرقًا وغربًا ما كنت تدري بمن تُنزل حاجتك، إنها ألطاف الله التي يدبرها من حيث لا تشعر، فاطمئن دائمًا.

*ومضة:*
أفعال ربنا لا تصدر عن عبث، بل عن كمال حكمة وتمام علم، قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

Related Articles

Back to top button