أبشر أيها المنفق
✍ صالح الريمي :
إن النفس البشرية مطبوعة على حب المال والاستئثار به، فإذا طُلب منها فقد تشح به ولا تعطي، لكن النفس الكريمة إذا دُعيت إلى البذل والعطاء فلا تبخل ؛ لأنها ترجو الأجر على ذلك من الله تعالى، والمجتمع الذي يجد فيه الفقير والمسكين مَن يطرق بابه سائلًا إياه قبول حقه في الزكاة والصدقة، لمجتمع جدير بالاستقرار والنهوض والأمن الآمان والرخاء..
يقول أحدهم قبل عشرين سنة طلب مني الوالد رحمه الله مبلغ ألفي ريال لشخص محتاج من الأقارب، وطلب ذلك من كل أخواني، دفع الجميع إلا أنا، وكنت أمر بضائقة مالية شديدة، وليلتها لم يكن في حسابي سوى ألفي ريال وبعض ريالات!
اعتذرت للوالد بأدب، وقلت له: والله لا أملك غير ألفين ريال، وهي معاشي ومصروف أهل بيتي، ويصعب التصدق بها كلها، وسأبقى مُعدما طول الشهر! لكن الوالد رفض عذري وغضب مني، وقال: حولها وسيعوضك الله، وكان الدي معروفًا بالكرم وكثرة البذل، ولا يرد سائلًا رحمه الله..
لم أقوَ على غضبه، وذهبت لجهاز الصراف وحولت ألفي ريال، وبعدها لم أكن أملك إلا ريالات معدودة وبعض الهلل! وما إن خرجت من كبينة الصراف، حتى اتصل بي شخص لا أعرفه، يطلب مني إجراء عقد نكاح لابنته، ومع أن الوقت متأخر، لكني وجدتُ نفسي مدفوعًا لخدمته، لأنه بواسطة صديق عزيز.
لم يكن في وقت موافقتي همي المال، وليس من عادتي قبول العطية أصلًا في عقود النكاح، وقد أقفلت هذا الباب منذ زمن، وكان الرجل في حرج شديد؛ فقد التزم مع شخص وأخلفه قبيل العقد لظروفه الخاصة، وتواصل مع عدة أشخاص وكلهم اعتذر!.
بعد أن شرح ظرفه قلت: ابشر يا عم أنا جاي في الطريق، وصلت وأتممت مهمتي على خير؛ وعند خروجي أعطاني ظرفًا، وحلفت ألا آخذه، وقلت له: أنا لا آخذ مالًا على إجراء العقود، وأقسمت على عدم أخذها، لكنه “رجل بدوي” وكريم وعنيد في الوقت نفسه، فأقسم عليَّ وحرَّم وطلَّق!
قال خذها يا ولدي وأنا أكفّر عنك، والله أنقذتنا اليوم من حرج شديد، وأكملتَ فرحة ابنتي وكانت مغمومة، خرجت من عنده، وأنا في سيارتي فكيت الظرف فوجدت فيه ستة ألاف ريال، وهو أضعاف ما تصدقت به في الليلة نفسها! انتهت القصة..
قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، هذه الآية المباركة توضح أثر الصدقة على رزق الإنسان، ومراتب الجزاء الإلهي لمن ينفق ماله في سبيل الله تعالى.
*ترويقة:*
جاء في دراسة علمية جديدة “صحيفة ذي إندبندنت” أن بعض علماء النفس توصلوا إلى أن أعمال البرّ والصدقة والإنفاق ومساعدة الناس المحتاجة وقضاء حوائجهم وبذل المال النقدي أو العيني في الحقيقة هي أقصر الطرق للوصول إلى السعادة، وهو تكافل إجتماعي، وحالة من الرحمة والشفقة والبعد الإنساني في قلب صاحبه..
ويقول أحد علماء النفس: “إن إنفاق المال على الفقراء يزيل الشعور بالخوف والإكتئاب بسبب الإحساس بالسعادة والشعور بالطمأنينة للقيام بعمل رائع والمساهمة في إسعاد الآخرين.
*ومضة:*
أبشر أيها المنفق كما قال صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)، والصدقة لها أثر بالغ وأمر مشاهد ومتواتر، قال تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*