تدخلات وتأخرات
✍ عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :
أمور التخطيط والأهداف بالمنظور الحالي لم نتعلمها أو نتعود عليه منذ الصغر حيث أنها لم تكن من عاداتنا التي نشأنا عليها، بل هناك أهداف ضمنية عامة تسير بنا الحياة حتى نصل إليها بطريقة شبه تلقائية مع استسلامنا شبه المطلق للظروف المحيطة بنا مع كثير من الموروثات الاجتماعية التي تحدد شخصياتنا وترسم سبيلنا، ومن أراد أن يبدع أو يغير شيئا من نمط حياته فلابد وأن يجد من يثنيه بالرغم من أن ذلك المثني ليس له دور في القضية، والأمر ليس فيه منكر ولا يحتاج إلى نصيحة ولكنه فضول مذموم تتعدى آثاره فتترك ندبات في النفس لا تمحى، وقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نحمي أنفسنا والآخرين من هذا الداء فقال: (من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه).
ولنا في تراثنا الشعبي كلمات لا تزال متداولة تربط الإنسان وتثبته في الأرض فلا يتجه لتقدم ولا يتطلع إلى الأحسن، فمثلا إذا تطلع إلى أمر أفضل من وظيفة أو غيرها ووجه بالمثل الشعبي (امسك مجنونك لا يجيك أجن منه) و (شيء تعرفه ولا شيء تتعرف عليه) وإذا كانت هناك إرادة لفعل شيء جديد فسيأتيك من يردك عن ذلك، فإن أبيت وصمت بأنك (عنيد) و (رأسك يابس) و (ما تسمع الكلام) وكأنهم يريدونك أن تكون إمعة أو ظلا لهم، وهؤلاء المساكين إنما هم (في بعض الأحوال) مرضى لا يحبون أن يبرز أحد فيكونون أدنى منه.
الاتكالية سمة بارزة في حياة بعض الناس، فهؤلاء يتحدثون عن المثالية وعظم التقصير، ولكن القليل هم العاملون وبحدود ضيقة ومجالات محدودة مع مصارعة ومراغمة النفوس، وعادات الناس وجمود التصورات وانقلاب المفاهيم، فترى من يريد أن ينصلح أمر معين في مجال الأسرة، أو العمل، من قبل الآخرين كي يبدأ معهم، وليس لديه الاستعداد لأخذ زمام المبادرة لبدء العمل .
والبعض يردد أن كل يعمل على قدر استطاعته، وهذه كلمة صحيحة إلا أن واقعيتها في حياتنا العامة مختلفة، فتراه يسند تقصيره الواضح إلى استطاعته، وفي هذا هروب من المسؤولية وركون إلى التكاسل، فعجبا للاستطاعة التي تعمل بها العمل الأول وتحقق به النجاح (لأنك تريده) ولا تعمل بها العمل الثاني وهو أسهل وأيسر (لأنك لا تريده)، ولعل هذا يكون في العموم من باب الجدال، وعدم الظهور بصورة المقصر أو المتواني، فكيف يرضى أن يكون دائما في ذيل القائمة.