*لماذا نتكبر؟*

✍ صالح الريمي :

قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ). من منطلق هذا الحديث وصلتني قصة سأنقلها لكم فيها من العنصرية والتعالي والغطرسة والتفرقة المقيتة القذرة المنتنة، والنفوس وضيعة هي من تفكر بهذه المظاهر وتترك المضمون، نفوس وضيعة تنظر إلى الأشكال لا الأعمال..
هذه القصة فيها شيء كثير منافي لتعاليم الدين الحنيف وأخلاقه النبيلة، فقد قال رسول الاخلاق عليه الصلاة والسلام: (إنما بعث لا تتمم مكارم الأخلاق).

لذا أحببت انقلها لكم للفائدة، حيث يقول راوي القصة: حصل هذا المشهد على متن إحدى طائرات الخطوط الجوية البريطانية ( British Airways )، في رحلة بين جوهانسبيرج بجنوب إفريقيا إلى لندن بإنجلترا، وفي مقاعد الدرجة السياحية كانت هناك امرأة بيضاء تبلغ من العمر 50 عامًا وكانت تجلس بجانب رجل أسود..
ومن الواضح أنها كانت متضايقة جدًا من هذا الوضع، لذلك استدعت المضيفة وقالت لها: “من الواضح أنك لا ترين الوضع الذي أنا فيه، لقد أجلستموني بجانب رجل أسود، وأنا لا أوافق أن أكون بجانب شخص مقرف، يجب أن توفروا لي مقعدًا بديلًا”. قالت لها المضيفة: “اهدئي يا سيدتي، فكل المقاعد في هذه الرحلة ممتلئة تقريبًا، لكن دعيني أبحث عن مقعد خال)!

غابت المضيفة لعدة دقائق ثم عادت وقالت لها: “سيدتي، كما قلت لك، لم أجد مقعدًا واحدًا خاليًا في كل الدرجة السياحية، لذلك أبلغت الكابتن فأخبرني أنه لا توجد أيضًاً أي مقاعد شاغرة في درجة رجال الأعمال، لكن يوجد مقعد واحد خالِ في الدرجة الأولى الممتازة وقبل أن تقول السيدة أي شيء..
أكملت المضيفة كلامها: “ليس من المعتاد في شركتنا أن نسمح لراكب من الدرجة السياحية أن يجلس في الدرجة الأولى الممتازة، لكن وفقًا لهذه الظروف الاستثنائية فإن الكابتن يشعر أنه من غير اللائق أن نرغم أحدًا أن يجلس بجانب شخص مقرف لهذا الحد، لذلك”.

التفتت المضيفة نحو الرجل الأسود وقالت: “سيدي، هل يمكنك أن تحمل حقيبتك اليدوية وتتبعني، فهناك مقعد ينتظرك في الدرجة الأولى الممتازة”، في هذا اللحظة تعجب الركاب الذين كانوا يتابعون الموقف مذهولين منذ بدايته وصفقوا بحرارة للمضيفة لتأديبها الغير مباشر للسيدة البيضاء..
رد جميل جدا قمة في الأدب ورجاحة في العقل من المضيفة، هكذا يجب أن ينزل الناس منازلهم ويعرفون أماكنهم والناس لا تتصف بالجمال أو بالسواد وإنما بأحسنهم أخلاقًا، فما ذنب هذا الأسود والقبيح، وما فضل الأبيض الجميل ليعامل كل منهما معاملة مختلفة عن الآخر، بالتأكيد لن نجد إلا فرقًا واحدًا وهو تقوى الله عزوجل.

*ترويقة:*
قال صلى الله عليه وسلم: (دعوها فإنها منته)، فالدين الإسلامي جاء بالمساوى بين البشر، ولا فضل أحد على أحد إلا بالتقوى، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)..
وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَأَبَاكُمْ وَاحِدٌ، وَنَبِيُّكُمْ وَاحِدٌ، لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، إِلا بِالتَّقْوَى).

*ومضة:*
مخلوقون من نطفة وأصلنا من طين وأرقى ثيابنا من دوْدة وأشهى طعامنا من نحلة ومرقدنا حفرة تحت الأرض، إذًا لماذا نتكبر؟

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى