خروف بانوراج

بقلم الدكتور رائد ناجي

إن الحديث عن خروف بانوراج هو حديث عن كل الخرفان في هذا العالم، وخاصة في بلاد دولستان، حيث تلخص هذه القصة المعروفة في الأدب الفرنسي عن تفكير وعقلية القطيع، وكيف يمكن أن يساق القطيع وان يتشكل الوعي “القطيعي” إن جاز التعبير، وكيف تتناسق عقلية القطيع على إختلاف أنواع المواشي واختلاف أصنافها، ولكن يبقى منهج العقلية القطيعية طاغيا على كل أنواع التفكير، وإني سأسوق للقارئ الكريم ملخص خروف بانوراج


وكلي أمل فيمن يقرأ هذه القصة أن يأخذ العبرة منها كيلا ينغمس ويذوب في عقلية القطيع كما غرق كل القطيع.
وتتلخص هذه القصة كما ذكرها الكاتب الفرنسي “فرانسو رابليه” قصة رجل يدعى “بانورج” كان في رحلة بحرية على متن سفينة؛ وكان على نفس السفينة تاجر الاغنام “دندونو” ومعه قطيع من الخراف لأغراض البيع.
كان “دندونو” تاجراً جشعاً لا يعرف معنى الرحمة ووصفه الأديب فرانسو رابليه بأنه يمثل أسوأ ما في هذا العصر وهو غياب الإنسانية، فالجشع صفة من الصفات التي يمكن أن تنزع عن الإنسان صفة الانسانية وتزرع بدل قلبه حجرا، ويصبح يلهث وراء المادة وإرواء ظمأ جشعه، فيتحول في صورة كائن لا ينتسب للإنسانية.
وحدث أن وقع شجار على سطح المركب بين “بانورج” والتاجر “دندونو”، وعلى إثره صمم “بانورج” أن ينتقم من التاجر الجشع، ويجعله يواجه جشعه وجها لوجه، فقرر شراء الخروف الأكبر من التاجر بسعرٍ عالٍ وسط سعادة دوندونو بالصفقة الرابحة وشعوره بالإنتصار ونشوة القدرة على عقد صفقات تلبية لنداء الجشع المتحكم به.
واندفع “بانورج” نحو جموع الخراف وبحركة بهلوانية أمسك بزعيم الخراف من قرنيه وجره بقوة إلى طرف من أطراف السفينة ثم ألقي به في البحر، – وفجأة – فما كان من أحد الخراف إلا أن تبع خطى الخروف القائد الغريق وألقى بنفسه في البحر ليلقى مصير قائده؛ ليلحقه الثاني ، الثالث فالرابع وسط ذهول التاجر الجشع وصدمته واندهاشه.
ثم اصطفت الخراف الباقية – مقلدة من سبقها- في “طابور كبير” لتمارس مهمة القفز في كل اتجاهات السفينة نحو الماء، فلما رآها التاجر الجشع “دندونو” جن جنونه وراح يحاول منع القطيع من القفز بالماء؛ لكن محاولاته فشلت فشلا ذريعا، فقد كان “إيمان” الخراف بما تفعله على قدر من القناعة الداخلية لديها أكبر بكثير من أن يقاومه أحد.
وبدافع قوي من الجشع اندفع التاجر “دندونو” للإمساك بآخر الخراف الأحياء آملاً في إنقاذه من مصيره المحتوم أي الغرق؛ إلا أن الخروف كان مصراً على الانسياق وراء الخراف وعدم الخروج عن التفكير القطيعي وما كان أن سقطا كلاهما في البحر ليموتا معاً غرقا.
ومن هذه القصة صار تعبير “خراف بانورج” مصطلحاً شائعاً في الأدب الفرنسي ويعني إنسياق الجماعة بلا وعي أو إرادة وراء آراء أو أفعال الآخرين سواء كانوا أغبياء او فاسدين او لصوص او غيرهم، ولعل هذه القصة تجد لها تطبيقا واسعا في بلاد دولستان، أين ينساق القطيع وراء أفعال منبوذة دون وعي منه بل وركوب الأمواج وراء السراب واللاشيء ، وحينها تتشكل وتتبرمج عقلية القطيع أو أغلبه على هذا النحو، وهذا ما يسمى بكيفية صناعة عقلية القطيع بخلق اتجاه معين ينساق له البعض وقد يكون من عامة الناس أو أصحاب العقول الضحلة او المدفوع لها الثمن، فيبدأ الناس بالهرولة نحو ما انساق له العامة، فتصبح القاعدة أن كل الناس اتجهت بهذا الإتجاه، ولعل هذا يتجسد في سلوكات كثيرة فنبرر لأنفسنا بأن كل الناس تفعل هذا، فإذا وصلت إلى هذا الحال فمرحبا بك بين خراف بانوراج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى