بائعة العسليه
من كتاب عجائب الدنيا الثمانية
✍محمد ابراهيم الشقيفى – جمهورية مصر العربية :
رأيت أمرأة مصرية بكامل أوصاف الحياء تتجول بالشوارع سعياً وراء المطعم الحلال تحمل الأوزان الثقيله مثل عظماء الأبطال لاتأكل بمفاتن جسدها حرة عفيفة سألتها من تكون أشارت إلى أكياس الحلوى وقالت أسمى بائعة العسليه.
بارعة لدرجة الإمتياز لم تستلم للظروف البغيضة أنثى جريئة عملها الدائم أنها تحمل أصابع الحلوى المغطاه بالسمسم تطوف فى رحاب محراب العمل ورحايا الحياه لكنها لم تستخدم براءتها لكسب أموال الرجال ولم تستعطف قلوب الصبايا والنساء عانت و صبرت حتى حاربت الخوف ورغم وجهها النحيل قررت عدم الأستسلام للواقع المرير لم تهاب الفقر فرفضت أن تمزق النطاق وترقع الجلباب لم تدعى المرض لسرقة مافى جيوب المواطنين الأبرياء.
هى بالفطرة سخية العطاء كريمة الطباع وفى ملامح وجهها بشاشة الجمال وبشارة الخير لاتعرف طريق الأحتيال تترفع عن السؤال لاتخرج الكلمات المعيبة ليس لها من الأمر شىء لاتملك سوى الإصرار على العمل بعزيمة وسعى لديها كنز السمعة الحسنة وسيرة الأخلاق العطرة .
رفعت شعار النضال ضد بلطجة البطالة أعتمدت على بنيانها المستور بالشرف والأمانة تسابق الريح لتعود بالرزق مغردة كالطيور بين أغصان البستان وبالفم ثمار الزيتون وحب الرمان فتلتقط الصغار من فمها الأمان ثم ينتهى اليوم فتخلد إلى النوم راضية مطمئنة لتأخذهم بدفء الأحضان.
شىء يتكرر كل صباح مشهد أراه فى أماكن متفرقه وظروف متشابهة وشخصيات متعددة تبيع وتشترى بأدب جم دون خجل من الظروف القاسية تلبس العمامة مثل الرجال ينقصها الشارب والعقال تتمتع بسحر سواد العين وشدة الجمال شقراء تثير شخصيتها الأعجاب لها ذات طاهرة وجودها مشرف وقدوة لمن أراد أن يعتبر بالحياه لابد أن نتباها ونقتدى بأمثالها بل ونتعلم منها خاصة أسلوب من أساليب العمل الجاد دون طلب المعونة من أحد أو الإنتظار ساعات على الأقدام بالليل دون خجل وطرق الأبواب وإختلاق الأعذار وعرضة النفس فى عز النهار لذل السؤال.
إمرأة ترفض عطف المارة ورغم شدة الإحتياج لاتمتهن الخداع ولاتقدم على النفاق تعلم سوء عاقبه الكذب لاتحاول أن تفر من الأقدار والله مصرية تعتز بنفسها وانا بها أفتخر تعيش فى كبد المشقة تتحمل عناء الأقدار الغامضة وأحوال القلوب القاسية لقد وجدت أظافرها الناعمة وحيدة بين أحضان الطبيعة أصبحت غير مدللة بعد الرافهية المطلقه لقد عصفت بها القلوب أصبحت شبه حطام لخيال بشرى قست عليها الدنيا دون رحمة جعلتها وحيدة فى زحام الموالد لتواجه بمفردها الصدام وتظلل وحدها بسحابة الحب على صغارها الأيتام.
أبت أن تقف مكتوفة اليدين معصوبة العينين لديها شىء لم تتخلى عنه لحظه من العمر كنزها الثمين أطفالها التى جعلت دارهم المأوى والسكن الأمين ليس التسكع فى خرابات الطرقات وذقاق الحارات طافت بالشوارع لتسترزق وعلى كتفها صندوق به حلوى طيبة المذاق تنادى على المارة دون إنحناء بصوت يملؤه نور العزة وخشونة الرجال حتى لا تطمع فيها الذئاب تحمل بين مخارج ألفاظها معاني الكرامة التي تشتهر بها ملامح الأنثى فى كل مكان ببقاع العالم.
تتحمل المسؤولية وحرارة الجو ولسعة البرد وكرات الثلج الكثيفه وسهام العيون الخبيثة ولم تشتكى سوء الأحوال كافحت بالحرب مثل الفرسان حقا لم نسمع عن البطالة يوما بين النساء كل التحية لشجاعة بنات حواء.
بكل تواضع وبرضا نفس سوية قبل طلوع الفجر تسعى بائعة العسليه مع أول إشارة سياره ودون صراع مع النفس الأماره تنطلق لحظة الكد لتهرول بخفة الظل كى تبيع الحلوى دون كلام معسول وبداخلها ظلمات القهر وغضب الغيوم إنها تفوقت بأحترافها البيع والشراء على الكثير من الأصحاء الذين فضلوا البقاء خلف ستار الحياة دون مواجهه الظروف بئس المناظرة.
ثم بالمساء نرى بدر السماء يعود إلى الأرض بحياء وأخلاق النساء لتعود صاحبة الجلالة وعلى رأسها تاج ملكى تحمله مرصع بجواهر الهموم وماسة الرضا لكن تترك المحن على أبواب الحاره وتبدأ رحلتها كأم لتأخذ بين أحضانها براعم الورد ماأجمل التضحية تحمل الفأس اليد الناعمة تزرع وتحصد الثمار من عرق جبينها حرة غير مقيدة الطموح تداوى بالصبر قيح الجروح تعطرت بطيب الكلام فحل الأمل وانفرجت الهموم وتزينت بداخلها السكينة فنعمت بالإستقرار واستشعرت الطمأنينة.
إنها بائعة العسلية التى لم ترضى أن تكون مجرد إسم فى قوائم الإنتظار لقد أنحنت لها الأقدار ووقفت الأنفس الشح أحتراماً لأميرة توجت ضفائرها بالعمل وأجبرت الدنيا أن تستقيم و تعتدل كى تعلن بكل صراحة أنها قد أخطأت ولا يكفي تقديم جزيل الشكر بل يجب علينا جميعاً الأعتذار.