*رحل المربي .. محمد بالفخر*

✍ صالح الريمي – جدة :

قبل بداية المقال أذكر قصة لي مع الشيخ محمد بالفخر عندما كنت في العاشرة من عمري، كنّت أحب لعب كرة القدم مع أطفال حارتي في حي السبيل، وفي أحد الايام قبيل المغرب أمسك بي شخص وقتها لم أكن أعرفه، قال تعال صلِ معي المغرب، قلت له ماني لابس لبس الصلاة، قال تعال بملابسك الرياضية، استحيت منه وذهبت معه، وبعد الصلاة ناداني أن أجلس في حلقة التحفيظ في مسجد الكيكي، ومن وقتها ولله الحمد لم اترك القرآن الكريم حفظًا ومراجعة وتلاة، ويعود الفضل بعد الله عزوجل لك يا شيخ محمد بالفخر رحمك الله تعالى، بالأمس وصلني خبر وفاتك، واليوم نواري جسدك الطاهر تحت التراب مودعين لك بالدعاء لك بالرحمة والمغفرة.

عندما وصلني خبر وفاتك شعرت أن العالم توقف عن الدوران وأخذت أنتزع من ذاكرتي صورة تلو الأخرى لتلك الفترة التي أكاد أجزم أنه لا أحد يمكن نسيانها لما فيها من ذكريات جميلة، وبلا أدنى شك مرحلة شكلت شخصيتي وأثرت فيهم بشكل كبير، نعم فقدنا أستاذًا حنونًا كريمًا، وأخًا ناصحًا، ومُستشارًا مؤتمنًا..
لاتزال يدي غير قادرةٍ علي الإمساك بالقلم لأكتب رثاءك يا أستاذي الحبيب محمد بالفخر؛ وحقًا الحروف لن تكفيك ولم تجزيك مهما كتبت عن رثائك، فعذرًا لك، فلقد عجزت كلماتي عن أن توفيك ما تستحق، لأن البلاء بفقدك كان عظيمًا، ورحيلك عنّا كان مؤلمًا، وقد رحلت معك الكلمات الجديرة برثاءك.

ليس هناك أقسى ألمًا وحزنًا وأصعب شدّة وصدمة على النفس من خبر وفاة قريب أو زميل عزيز وصديقٍ من النادر أن تلتقي بمثله من حيث سعة الصدر وحلاوة الروح واللسان وطيبة النفس والخلق، يضفي عليك دائمًا البهجة والسرور ويزرع في نفسك التفاؤل والأمل والسعادة..
كم هي قاسية لحظات الوداع والفراق التي تسجل وتختزن في القلب والذاكرة، وكم نشعر بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة، ونختنق بالدموع، ونحن نودع واحدًا من جيل المربين والأساتذة الافاضل المؤمنين بالرسالة التربوية بعد مسيرة عطاء عريضة ومشوار حياة في السلك التعليمي والعمل التربوي والدعوي والاجتماعي، تاركًا سيرة عطرة، وذكرى طيبة، وروحًا نقية، وميراثًا من القيم والمثل النبيلة.

صحيح أن الموت غيبك عنّا جسدًا، لكنك ستبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد الحياة، ولن ننساك، وستظل باعمالك ومآثرك وسيرتك نبراسًا وقدوة لنا، وصاحب العلم والفكر صحيح يموت جسده، لكن روحه تبقى حية فينا أبدًا ما بقينا، وفكره يبقى نابضًا في قلوبنا أبدًا ما حيينا..
الموت هو الحقيقة الوحيدة علي هذه الأرض، لنأخذ منه العبر ويبقي تذكرة لمن بقوا أحياء، فنم مرتاح البال والضمير يا شيخنا، فقد أديت الأمانة وقمت بدورك على أحسن وجه، والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون.

*ترويقة:*
رحمك الله أيها الشيخ الفاضل والمربي البارع، وما لي في وقفة وداع يا شيخ محمد بالفخر سوى هذين البيتين من الشعر قالهما شاعر النيل حافظ ابراهيم في رثاء صديقه أمير الشعراء أحمد شوقي:
خلفت في الدنيا بيانًا خالدًا
وتركت أجيالًا من الأبناء
وغدًا سيذكرك الزمان لم يزل
للدهر انصاف وحسن جزاء

*ومضة:*
كثيرٌ هم البشر الذين مروا على هذه الحياة دون أثر، ثم ارتحلوا وانتقلوا في الغابرين، لكن كان من بينهم بشر أبت الرحيل إلا بترك الأثر فما زالت بصماتهم بارزة ومعالمهم براقة واضحة تسرُ الناظرين، قد ارتحلوا نعم، لكن ذكراهم باقية الحسن بين الأحياء.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى