مافي خوف، الله في ترتيب

✍ صالح الريمي :

حياتنا مثل أصحاب السفينة عندما خرق الخضر سفينتهم أمام أعينهم، ماذا ظنوا بربهم في هذه اللحظة؟ أصبروا أم جزعوا؟ وقد ظهر هول الموقف في احتجاج سيدنا موسى رفيق الخضر، “قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا”، وأيًا كان ردة فعلهم حِيال الخرق، فما حالهم بعد ما علموا بالملك الذي يأخذ السفن غصبًا، وأن عيب السفينة نجاهم من فقدها؟ أكان حالهم سعادةً وسرورًا بما لقوا من صبرهم؟ أم ندمٌ على ما ظنوا سيئًا بربهم؟
أنقل لكم قصة العامل الباكستاني محبوب مع المهندس السوداني بتصرف:
يقول المهندس: كنا نعمل في شركة لها مشاريع متعسرة ومتأخرة، وعليها غرامات، وخمسة أشهر لم يستلم العمال رواتبهم، حتى أصبحت أخلاق العمال واصله إلى انفهم بسبب أمورهم المتعسرة، تخيل أنك موظف ومصدر دخلك الوحيد هو راتبك، وعليكم إيجار وفواتير كهرباء وماء والتزامات أسرية ومصاريف يومية.

وتجد أن حياتك كلها واقفه من كثرة الديون والالتزامات التي عليك، وأنا كمهندس في الشركة لا أستطيع أقول للعمال أن يقوموا بأي عمل، خشية أن يضربني أحدهم بالخشبة التي في يده، وحتى السلام بدون صوت ومن بعيد وبالاشارة، وإذا لم يردوا عليّ ما أغضب، والاشكيالة أنني أنا المسؤول أمامهم، وماهم فاهمين حقيقة أن الشركة متعسرة في السداد وعليها التزامات كثيرة لم تستطيع الايفاء بها، وكلما قلت لهم عملكم فيه تقصير، يقولون لي هات رواتبنا، لأنهم فاهمين أني استلم راتبي وأموري ماشية على مايرام..
هناك عامل باكستاني اسمه محموب، عامل نظافة وشاهي وقهوة، وهو أول شخص يفتح مكاتب الشركة وينظفها ويرتبها، والشيء الجميل أن العامل محبوب يظهر عليه علامة الرضا، وتجد منه الابتسامة العريضة إذا مقابلته، بالرغم أنه هو أيضًا يعيش معاناتنا.

الخبر غير السار أن محبوب بعد شهرين سيفصل من عمله، وزوجته في باكستان تحتاج إلى عملية ولا يستطيع أن يرسل لها قيمة العملية والعلاج لعدم استلام رواتبه المتأخرة، والادهى أن صاحب البيت التي تقيم فيه زوجته وأبنائه قد طردهم من البيت لعدم دفع الإيجار لعدة أشهر، ومع ذلك لازالت الابتسامة على وجهه لا تفارقه..
المفروض أن محبوب أكثرنا همًا ونكدًا وغمًا من تراكم المشكلات عليه، لكن العكس تجده في كل صباح يأتي مقر العمل مصبحًا علينا وهو مبتسم، كنت امشيها له بالرغم أن ابتسامته مستفزة لي في خضم المشكلات التي نعاني منها بسبب عدم صرف الرواتب، في أحد الأيام وٱنا كتلة من البؤس والهم والنكد جاءني محبوب مبتسمًا ومسلمًا علي، اوقفته مناديًا ومتسائلًا له يا محبوب؛ لماذا أنت فرحان ومبتسم دائمًا؟

أنت أكثر شخص فينا عنده هموم ومشكلات كثيرة، “راتب ما في – أكل مافي – شرب مافي – سكن مافي – زوجة مريضة وما تقدر تعالجها – بعد شهرين ماعندك عمل، وسوف تتعب كثيرًا بالبحث عن عمل، لأن عمرك كبير، وأمورك كلها معقدة هنا وفي باكستان، وبعد أن عددت له كمية المشكلات التي يعاني منها، ابتسم لي ابتسامة عريضة استفزتني أكثر، ثم قال محبوب بلهجته: “يا مهندس مافي خوف، الله في ترتيب”، صدمتني الجملة لاكنها افاقتني من سكرتي وتذمري وكثرة شكواي للبشر، حتى أصبحت هذه الجملة منذ 2018 هي قاعدتي عندما تصيبني مشكلة كبيرة، (ما في خوف، الله في ترتيب) وتعني الجملة أنك تعمل ما تستطيع والباقي على الله.

*ترويقة:*
في بحر الحياة تسري سفينتنا على مهلٍ، تهدهدها الأمواج يومًا، وتجرفها العواصف أيامًا، فيتغير اتجاهها وتحيد عن أهدافها، وقد تُـثقب جوانبها ويتلف شراعها، فما هو حالنا؟ أنجزع أم نصبر على هوج العواصف؟ وما كان أحدنا يمتلك مفاتح الغيب ولا أسراره، ولكن عندنا عهد من ربنا بقدر يرضينا، وعوضًا يروي ظمأنا ويشفي قلوبنا، وملجأً لضعفنا واستجابة لدعائنا..
فالحياة تعلمنا أن الخير في أقدار الله دائمًا، والتماس خيرها لا يتأتى بانكشاف أسبابها؛ إنما هو في اثنين: الثقة في الله، والصبر على قدره، وفيه كل الخير.

*ومضة:*
أشد ما يُريح الإنسان هو الإيمان بأقدار الله والتسليم لها، وأقدار الله كلها خير، وإن لم نر خيرها في الحال كأصحاب السفينة، وإن إدراك وجود الله وغلبة إرادته هي التي تجعلنا قادرين على مواصلة السير بقوة رغم كل الظروف والتمسك بحبل الله المتين.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى