سلسلة مقالات في هارون الرشيد
✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :
على مدى التاريخ ظهرت شخصيات عديدة ممن تولت أمور المسلمين وتركت آثارا بقيت على طول الزمان، وأخبارا تناقلتها الأجيال، وتجد في ذلك الكثير من المجلدات والكتب والمدونات التي روت لنا تفاصيل كثيرة ودقيقة لأحداث ووقائع كي يكون في ذلك فكرة وأخذ عبرة، في سياساتهم وحروبهم وشؤون دولهم ومجالسهم، واختصصنا في العديد من المقالات القادمة المتفرقة الحديث عن بعض أمور الخليفة هارون الرشيد، فمع عظم المهام وتكاليف المسؤولية عند الرشيد ورعايته لهذه الأمة فإن له مجالسا يلتقي فيها بأهل اللغة والأدب يخوضون فيها في بحر اللغة وتصاريفها، ويتدارسون نكت البلاغة، وله مجالس مع أهل الشعر يسمع إنشادهم ورواياتهم ما بين جد وهزل ومديح ووصف، ناهيك عن حكايات السابقين وأيام العرب، وله مجالس مع أهل العلم من الفقهاء والعلماء ما يفقه به أمور دينه، فيسمع كلامهم، وينصت إلى مناظراتهم ومحاضراتهم، وهذا بجميعه لم يشغله عن مطالعة أحوال بيته والحرص على دفع أبنائه إلى مؤدبين صالحين يختارهم من أولي العلم والنهى مع متابعتهم بالإرشاد والتوجيه كي يشب بنوه على غاية من الدين والعلم والأدب.
وعنيت هنا الإشارة إلى بعض أهل بيت الرشيد وما كانوا عليه من صلاح ودين وأدب لنتعرف بذلك على بعض من شؤون الرشيد في أهل بيته وأثر ذلك فيهم.
وتاريخنا فيه من الروايات ما اختلط حق حابلها بباطل نابلها، وفيها من النقولات ما ابتدأ بالخطأ أو القصد ووضع الدسائس ما انطلى على بعض الرواة فسارت ضمن رواياتهم من جيل إلى جيل، ولكن ذلك لا يخفى على الباحثين أو المطلعين على المصادر المتنوعة لأيام العرب وأحداثها، والروايات عن هارون الرشيد، وكذلك في كثير من أمور التاريخ، متضاربة في أشخاصها وأحداثها، وتحتاج إلى بحث وتمحيص جادين مبنيين على قواعد علمية لتزيل عن التاريخ لبسه، مما يحتاج إلى إعادة دراسة كتب التراث والتاريخ والأدب وتنقيحها، وسيلاحظ القارئ أنني لم أذكر أشياء كثيرة من سيرة هارون بل أحببت أن أتناول شيئا من لطائف وطرائف مجالس الرشيد العلمية مع العلماء والفقهاء والشعراء لتكون هذه المقالات مطالعات لطيفة في الأدب وحديث المجالس التي يمكن أن يتهيأ منها للقارئ ما يستفيد منه في علم أو أدب أو طرافة، فاخترت هنا من لطيف الشعر وأملحه مما حصل لي من كتب التراث التي حفلت بذكر الرشيد وأخباره، وما ذُكر هنا إنما هو فصوص متناثرة في أمهات الكتب نظمنا بعضا منها في عقد، وحرصت أن يكون خفيفا ظريفا فيه من الدعابة والمرح ما يصل للغاية في إمتاع القارئ.