بورتريه الشهيد زدور إبراهيم القاسم المهاجي محرر بيان أول نوفمبر 1954 باللغة العربية

محمد  غاني _ الان


يصادف تاريخ 13 نوفمبر من كل سنة استشهاد البطل زدور ابراهيم القاسم الذي اكتشفت جثته مرمية قرب وادي الحميز في برج الكيفان بالجزائر في 29 نوفمبر. 1954 و الذي خلدته أعماله الثورية و شخصيته و نضاله لتسمى عليه عدة مؤسسات رسمية و شوارع منها دار الثقافة لولاية وهران و بغرض تعميم الفائدة ارتأت جريدة الان أن توفي الشهيد زدور ابراهيم القاسم حقه بنبذة عريفية مفصلة فمن هو هذا البطل الشهيد ؟


هو أ وّل طالب شهيد و أوّل شهيد يموت تحت التّعذيب هو أبن مفتي وهران الشّيخ الطّيّب المهاجي أصله من معسكر وبالضبط من القعدة و هو محرر بيان أول نوفمبر باللغة العربية إنه خريج الأزهر الشريف سنة 1953 وحامل لشهادة الليسانس و يتكلم أكثر من خمس لغات اسمه زدور إبراهيم القاسم المهاجي من امهاجة إبن الشيخ الطيب المهاجي أحد أبرز علماء وهران وهو من أبناء المدينة الجديدة بوهران اعتقل سنة 1954 و رميت جثته بوادي الحميز بالعاصمة حتى اكلتها الكلاب بعدما تعرض لأنواع التعذيب من طرف الاستعمار الفرنسي كان شاعرا و صحفيا حيث كثب عدة مقالات بأسماء مستعارة منها عبد الرزاق الجزائري رحمه الله و كان قاسم زدور خريج دار العلوم بالقاهرة – في سبتمبر 1953 – أول طالب مناضل شهيد ، إذ قتل تحت التعذيب في مراكز مديرية حماية الإقليم بكل من وهران والجزائر ، أسبوعا فقط بعد اعتقاله في 6 نوفمبر 1954 و تبيّن مأساته مدى الحقد الذي كان يشحن آلة القمع الاستعمارية غداة فاتح نوفمبر على كل مثقف بالعربية ، لاسيما إذا كان عائدا لتوّه من مصر المتهمة – كذبا – أنها محرّكة الثورة الجزائرية الوليدة.


كما تبيّن أن هذه الآلة الجهنمية كانت تستفيد منذ فجر الثورة ، من تواطؤ المنظومتين الإعلامية والقضائية على أوسع نطاق و تبيّن هذه المأساة من جهة أخرى ، أن طلبة المشرق العربي لم ينتظروا إضراب 19 مايو 1956 ، ليحملوا راية الكفاح والتضحية عاليا في سماء جزائر الفداء و البطولات بحكم تواجد أعضاء الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني بالقاهرة خاصة
ولد الشهيد بالقاسم إبراهيم زدّور بوهران في 2 فبراير 1923 ، وسط عائلة علم وتربية ؛ فوالده الشيخ الطيب المهاجي بدأ التدريس سنة 1912 ، وكان ابن عمه مولود المهاجي من مؤسسي مدرسة الفلاح بحي المدينة الجديدة (قرية الزنج في لغة المستوطنين و قد حفظ القرآن في سن التاسعة ما يعني أنه التحق بالكتّاب مبكرا ، وكان إلى جانب ذلك يزاول دراسته بمدرسة باستور (الفرنسية) بنفس الحي.


وبعد أن حصل على الشهادة الابتدائية عام 1937 واصل دراسته الإكمالية بمعهد باستور لكن سلك الدراسة النظامية ما لبث أن اضطرب بسبب الحرب العالمية الثانية و مضاعفاتها استكمل تعليمه بالعربية على يد والده الذي أخذ عليه كذلك مبادئ الفقه و قد دفعه التوقف الاضطراري عن الدراسة المنتظمة إلى الخروج في طلب الرزق ، عبر نافذة التجارة التي فتحت أمامه كذلك باب النضال في حزب الشعب الجزائري (المحظور) ، رفقة صديقه القائد الشهيد بوتليليس حمو و كان باب النضال يومئذ مدعاة لفتح أبواب السجن على مصراعيها ، ولم يشذ الشاب بالقاسم عن ذلك ، إذ اعتقل بتهمة التخطيط لمظاهرات فاتح مايو 1945 بعاصمة الغرب الجزائري و في يناير 1946 مثل أمام المحكمة العسكرية مع عدد من رفاق النضال التي لم تجد في ملفه ما يدينه فبرأت ساحته و تم الإفراج عنه بناء على ذلك في 30 من نفس الشهر و استأنف إثر ذلك نشاطه التجاري والنضالي إلى غاية خريف 1946 ، ليلتحق بجامع الزيتونة في تونس ، وقد تم قبوله في السنة الثالثة نظرا لمستواه التعليمي..


عميد.. القواسم الثلاثة
عاش الطالب قاسم زدور بتونس فترة حاشدة بالتحصيل العلمي حافلة بالنشاط السياسي والثقافي.. وقد اتخذ لنفسه يومئذ إسما أدبيا ونضاليا هو قاسم زيدون ، بعد أن أصبح من المساعدين المقربين للمناضل عبد الحميد مهري ، مسؤول فرع حزب الشعب الجزائري (السري) بتونس ومنشط الطلبة الوطنيين هنا و. ما لبث أن اقتحم مجال الكتابة الصحفية و الأدبية في الصحافة التونسية ، بعد أن كون ثلة من خيرة الطلبة اجتهادا في الدراسة ومشاركة في النضال الوطني..
وقد عرفت هذه الثلة بـ القواسم الثلاثة وهم بالإضافة إلى قاسم زيدون ، الشهيد قاسم رزيق والفقيد قاسم مولود.. وكانت هذه الثلة يومئذ تتخذ من الطربوش (العثماني) شعارا للأصالة و التفتح في آن واحد.
في صائفة 1948 عاد قاسم زيدون إلى وهران يحمل الشهادة الأهلية من جامع الزيتونة.. غير أن طموحه – فضلا عن تشجيع والده – أبى عليه إلا أن يواصل مشواره التعليمي في الموسم الموالي ، بالعودة إلى تونس بعض الوقت قبل أن ييمِّم شطر القاهرة في ربيع 1949 ، فاتحا بذلك الطريق أمام بعض عناصر ثلثه مثل مبارك ماضي و مولود قاسم نايت بلقاسم الذي التحق بصديقه في فبراير1950 وكان صديقه في الغرفة


اختار قاسم زيدون كلية دار العلوم ، وما لبث أن وجد بالقاهرة فسحة لاستئناف النشاط النضالي الوطني الذي كان يقوده من العاصمة المصرية آنذاك المناضل الشاذلي المكي..
الشهيد زدور محمد ابراهيم القاسم كان هو من أستقبل القادة السّياسيين للثّورة أيت أحمد..و محمد خيذر عند هروبهم في الملاحقة البوليسة بعد أكتشاف المنظّة الخاصّة OS..
كما وجد بها كذلك فضاء رحبا للكتابة الصحفية.. وكان في هذا المجال يمد بكتاباته بين الفينة والأخرى صحيفة المنار(1) ، مثل مقاله في فبراير 1952 حول المحمدات الثلاثة محمد علي جناح (باكستان)، محمد مصدق (إيران) ، محمد صلاح الدين (وزير خارجية مصر


توطدت علاقات قاسم زيدون أكثر بمكتب حزب الشعب الجزائري بالقاهرة بعد دعمه بالمناضلين محمد خيضر وحسين آيت أحمد.. ويؤكد ذلك الفقيد قاسم مولود الذي يقول في هذا الصدد ” كنا أحيانا ننشغل بالدراسة عن زيارة خيضر ورفاقه ، فكانوا يبادرون هم بزيارتنا” و يشهد آيت أحمد الذي حل بالقاهرة في بداية مايو 1952 للفقيد بالثقافة و الفعالية النضالية إذ يقول ” كان الشهيد مثقفا بالعربية و الفرنسية و على قدر كبير من التكوين النضالي الذي حصل عليه في صفوف حزب الشعب و حركة انتصار الحريات الديمقراطية و قد أفادنا كثيرا بمعرفته للأوساط السياسية المصرية،”


هذه الحيوية النضالية لم تمنعه من استغلال فرصة دار العلوم ، بتعلم لغات أخرى – إلى جانب العربية والفرنسية – مثل الانجليزية والفارسية.. وإتمام دراسته كذلك في الموعد المحدد ؛ إذ تخرج في سبتمبر 1953 حاصلا على شهادة ليسانس و قبل أن يغادر القاهرة أواخر 1953 (أو مطلع 1954) استخرج شهادته من الكلية ، بعد أن تقدم في هذا الشأن بطلب إلى عميدها بتاريخ 16 نوفمبر من نفس السنة ، وقد حرص على التصديق عليها بالقنصلية العامة الفرنسية في 26 من الشهر نفسه و في طريق العودة إلى وهران عرج على العاصمة ، حيث التقى من جديد برفيق النضال في تونس عبد الحميد مهري ، و بقيا على اتصال إلى غاية اندلاع ثورة فاتح نوفمبر 1954 و يفهم من شهادة بعض المناضلين في وهران أن خريج دار العلوم بالقاهرة كان منذ ربيع 1954 على صلة بالشهيد محمد العربي بن مهيدي ، ولعب دورا نشيطا في عملية التعبئة المعنوية والتحضير المادي لثورة فاتح نوفمبر هذا الدور فضلا عن سوابق الطالب النضالية لم يكن ليخفى على أمن الاحتلال وعيونه ، فلا غرابة أن تسارع شرطة وهران باعتقاله في 2 نوفمبر من باب الاحتياط.. لكن أفرجت عنه بعد حين وقد سأله شقيقه الأكبر عقب ذلك ” ترى ماذا يريدون منك ؟ ” فأجاب طلبوا مني أن أحدثهم عن رفاقي في القاهرة و نشاطاتهم هناكو لسوء الحظ أن علاقة الطالب الحديثة بالقاهرة رشحته للاعتقال من جديد في 6 نوفمبر علما أن سلطات الاحتلال سارعت باتهام مصر عبد الناصر بأنها وراء ما حدث ليلة فاتح نوفمبر 1954!


تعرّض الشهيد لتعذيب قاتل على يد شرطة مديرية حماية الإقليم (D.S.T) بسيدي الهواري. وعلمت المديرية المركزية في العاصمة بهذا الصيد الثمين فأمرت بنقله على جناح السرعة.. لكن لما عرض على أحد المفتشين بالعاصمة لم يجرؤ على استنطاقه وهو في حالته تلك من التعذيب القاتل فعوضه في هذه المهمة القذرة المفتش لوفريدو المعروف جيدا لدى مناضلي العاصمة.. فهو الذي قام بتعذيبه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. ولم يتحرّج من التصريح لاحقا مفتخرا بجريمته تلك!
بلغ الشيخ الطيب المهاجي أن ابنه تعرّض بمركز د.س.ت بسيدي الهواري لتعذيب شديد ، فسارع مرفوقا بولده الأكبر محمد للبحث عنه ، فقيل لهما إنه نقل إلى الجزائر ، ولما جاءا العاصمة واتصلا بمصالح الهيئة المذكورة في بوزريعة ، قيل لهما إنه تمكن البارحة (13 نوفمبر) من الفرار!


هذه الرواية – الكاذبة – بدأت صحيفة ليكو دالجي (الاستعمارية) تروّج لها ابتداء من 19 يناير 1955 ، زاعمة أن الضحية استطاع الهروب من نافذة دورة المياه بمقر شرطة العاصمة!
وتطرقت صحيفة بورجو إلى الماضي السياسي للشهيد ، معتبرة ما أدلى به – تحت التعذيب –اعترافات ! من ذلك قولها:
إنه اعترف بأنه كان عضوا في حركة الانتصار (حركة شرعية) التي حلت أخيرا!.
إنه تلقى في صائفة 1952 مبلغ 30 جنيها من الشاذلي المكي والسعيد فرحي (آيت أحمد) لزيارة فرنسا وتسليم وثائق إلى اتحاد الحزب بباريس.


ولزيارة الحاج مصالي في منفاه بنيور كذلك.
وأنه زار العاصمة إثر ذلك حيث اتصل بحسين لحول (الأمين العام السابق لحركة الانتصار(!
ربطت الصحيفة اعتقاله في 6 نوفمبر بعمليات ليلة الفاتح من نفس الشهر ، موحية بطريقة مغرضة أن عودته إلى الجزائر في يناير الماضي تندرج في هذا الإطار ، عندما ذكرت بأنه عاد نهائيا.. للنشاط النضالي في الجزائر.
وبلغ الاستهتار بالصحيفة الاستعمارية أن نشرت في نفس المقال نتيجة محاكمة المناضل الهارب من طرف الغرفة الخامسة من محكمة العاصمة وهي :
4 سنوات سجنا وخمسا نفيا وحرمانا من الحقوق المدنية ، فضلا عن غرامة قدرها 100 ألف فرنك (قديم(!
ليكسبراس.. تفك اللغز
وكانت صحيفة لوجورنال دالجي (صحيفة بْلاشات أمير الحلفاء خليف شوفالبي) أول من أشار – بطريقة غاضمة – إلى اغتيال الطالب قاسم زدور ، وذلك في عدد 30 نوفمبر 1954.
فقد تحدثت عن اكتشاف جثة مابين برج الكيفان وشاطئ الجزائر ، وقدمت بشأنها المعلومات التالية :
1جثة مكتوفة اليدين والرجلين لشخص تناهز قامته 1.65 متر ، وهو ليس بعامل يدوي.
2رجحت أن تكون الجثة لشخص أوربي رياضي ، بناء على عضلات الفخذين.
3أن الجثة ربطت بسلك حديدي وخيط سميك من خيوط الصيد يبدو جديدا..
ويبدأ الربط من مستوى العنق ويلتف حول الخصر قبل ربط القدمين.
4أن الدكتور غودارت فحص الجثة واستخلص أن صاحبها مات غرقا ، وأنها بقيت في الماء نحو شهر..
لم يكشف تقريرا لوجورنال.. شيئا عن هوية صاحب الجثة ، وبقي اللغز طيلة سنة كاملة ، إلى أن فكّته صحيفة ليكسبراس في عدد 10 نوفمبر 1955 بعد أن بدأت رائحة التعذيب والقتل بدون محاكمة تزكم الأنوف في صالونات باريس.
تحدثت الصحيفة عن وفاة الطالب قاسم زدور تحت التعذيب منذ سنة ، بعد أن اعتقلته مصالح د.س.ت وفي اعتقادها أنها وضعت يدها على حلقة اتصال مهمة للثوار مع القاهرة.


ونددت الصحيفة بفضيحة التعذيب في الجزائر والتي من المحتمل أن تنفجر وشيكا.
كما نددت بـ :
ـ مفتش الشرطة الذي كتب تقريرا مزيّفا حول الفرار المزعوم للضحية.
ـ الطبيب المتواطئ الذي زعم أن الضحية مات غرقا.
ـ العدالة التي رفضت النظر في القضية التي رفعتها عائلة الفقيد..
وفي ربيع 1956 سأل السيد أرنو النائب عن دائرة السان وزير العدل حافظ الأختام فرانسوا ميتران عن قضية زدور.
فرد في 2 مايو كمايلي :
لقد سبق لي أن درست هذه القضية التي صدر بشأنها فعلا حكم بالبراءة. لكن مع ذلك طلبت من النائب العام لدى محكمة الاستئناف بالجزائر أن يرسل ملف القضية كاملا. وسأحرص على تبليغكم بما جدّ بمجرد اكتمال الصورة لديّ ، بما يسمح باتخاذ قرار في هذه القضية..


ورغم ذلك طوي ملف القضية شأن ملفات آلاف القضايا المماثلة لاحقا.
والطريف أن مصلحة الضرائب بالعاصمة لم تنتظر حكم البراءة الذي تحدث عنه وزير العدل ـ أو لم تسمع به ـ فسارعت في 12 أوت 1955 بمطالبة عائلة الشهيد بدفع الغرامة المسلطة عليه في الحكم الأول. أي 100 ألف فرنك مشفوعة بعقوبة 50 ألف فرنك ، فضلا عن مستحقات العدالة البالغة 2975 فرنك!
وكان رد العائلة :
قلتم أنه تمكن من الفرار! إذن سيدفع لكم هذه الغرامة عندما تقبضون عليه!
ونعود إلى صحيفة ليكسبراس التي تخبرنا أن الشهيد لفظ أنفاسه تحت التعذيب ، لحظات بعد وصوله من وهران حيث عذب إلى درجة أنه لم يعد يستطيع الكلام..
وحسب الصحيفة دائما أن جثته وضعت في كيس ـ مثقل بـ70 كلغ من الرصاص ـ ونقل في قارب لترمى في أعماق البحر على نحو 40 كلم من شاطئ الجزائر العاصمة.


أعددنا هذا المقال اعتمادا على ملف قدم إلينا من عائلة الفقيد، فضلا عن شهادة لصديقه الفقيد مولود قاسم نايت بالقاسم ، ومقال للشيخ بوعمران رئيس المجلس الإسلامي الأعلى….
وفته :
بعد أعتقاله قاموا بتعذيبه بوهران متهّمينه بأنّه هو المنسّق بين الوفد الخارجي للثّورة مع الدّاخل .. ثمّ تحويله ألى العاصمة و نال من التّعذيب القاسي حتّى أستشهد بتاريخ 13-11-1954
لكن الصّحافة الفرنسية نشرت خبر هروبه من مخافر الشّرطة … ألى أن وجدت جثّته مرمية قرب وادي الحميز بلدية برج الكيفان و كانت تسمّى FORT-DE-L’EAU … و كان ذلك بتاريخ 29-11-1954.. بل نشرت الصّحافة في 1955 أنّه حوكم غيابيا رغمّ أنّه ميّت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى