ﺃﻋﻴﺮﺗﻪ ﺑﺄﻣﻪ

✍ صالح الريمي :

جاء الإسلام لقلع الجاهلية من جذورها، وأبطل كل عقيدة وقول وفعل سيء، وأبقى وحث على كل قول وفعل سليم، وحفظ الحقوق والواجبات، حتى حقوق الحيوان، والأشجار، وكل ما فيه روح، بل حث على الإحسان في كل شيء..
ثم نبذ العنصرية والتحريض وخطاب الكراهية، واحترام الإنسان وعدم التعامل معه حسب لونه وجنسه وعرقه، بل ضرب بها عرض الحائط، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم.. دعوها فإنها لمُنتنة).

ومن أقوى الاعتذرات التي قرأتها، اعتذار ﺃﺑﻮ ﺫﺭ الغفاري رضي الله عنه حينما قال لبلال بن رباح رضي الله عنه: “ﺣﺘﻰ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ﺗٌﺨﻄﺌﻨﻲ”؟!
‏ﻓﻘﺎﻡ ﺑﻼﻝ بغضب ﻣﺪﻫﻮﺷًﺎ آﺳﻔًﺎ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻷرفعنك إلى ﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم، فلما عرف النبي صلى الله عليه وسلم تغير ﻭﺟﻪثم قال: ‏ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺫﺭ، ﺃﻋﻴﺮﺗﻪ ﺑﺄﻣﻪ؟! ﺇﻧﻚ ﺍﻣﺮﺅ ﻓﻴك ﺟﺎﻫﻠﻴﺔ!!
‏ﻓﺒﻜﻰ ﺃﺑﻮ ﺫﺭ وقال: ‏ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﺍﺳﺘﻐﻔﺮ ﻟﻲ. ﺛﻢ ﺧﺮﺝ ﺑﺎﻛﻴًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، وأتى أبو ذر ﻭﻭﺿﻊ ﺧﺪه ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ، ‏وقال ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺑﻼﻝ ﻻ أﺭﻓﻊ ﺧﺪﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺣﺘﻰ ﺗﻄﺄه ﺑﺮﺟﻠﻚ عليه، فأنت ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺃﻧﺎ ﺍﻟﻤﻬﺎﻥ!!
‏هنا أﺧﺬ ﺑﻼﻝ ﻳﺒﻜﻲ ﻭاﻗﺘﺮﺏ ﻭﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ خد أبي ذر، ﻭﻗﺎﻝ: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻻ أﻃﺄ ﻭجهًا ﺳﺠﺪ ﻟﻠﻪ ﺳﺠﺪة ﻭﺍﺣﺪة، ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺎ ﻭﺗﻌﺎﻧﻘﺎ ﻭﺗﺒﺎﻛﻴﺎ!

فضيلة ومنقبة لأبي ذر؛ حيث أنه من السابقين الأولين في الإسلام، وهو من الزهاد والعباد، وما قال ذلك أبو ذر لبلال إلا لأنه لم يعلم تحريم ذلك، فلما علم ذلك ألقى نفسه على الأرض، ووضع خده على التراب، وقال: والله لا أرفع خدي من التراب حتى يطأ بلال خدي بقدمه. وهذا دليل على علو قدر هذا الصحابي الجليل..
اليوم قد تجد عكس هذا الموقف عندما يسئ أحدهم إليك، فلا يعتذر، ونسي أن ﺍلاﻋﺘﺬﺍﺭ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺭﺍﻗﻴﺔ وخلق عظيم، وليس ﺇﻫﺎﻧﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ، وبعضهم ﻳﺨﺠل ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ «ﺁﺳﻒ»، إن الاﻋﺘﺬﺍﺭ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺭﺍﻗﻴﺔ وخلق عظيم، ولكن هناك من يتصور أنه ﺇﻫﺎﻧﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ، وهو في الحقيقة قوة وعزة وثقة.

*ترويقة:*
يقولُ الأديب الروسي الشهير ليو تولستوي في كتابه «حِكم النبي محمد»: إنَّ من أهمِّ عوامل نجاح محمدٍ في دعوته، أنه ما أمر بأمر إلا كان أول المُلتزمين به، وما نهى عن أمرٍ إلا كان أول المُنتهين عنه! وهذا حق، فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلم كان قرآنًا يمشي على الأرض، فكان أحزم الناس على نفسه، ثم أهله، ثم أصحابه، ثم الناس! وما كان يتغاضى عنه من الأعرابي في البادية لم يكن ليجعله يمرَّ مرور الكرام مع أصحابه، لأنه كان يعلمُ أن الناس تنظرُ إليه أولاً، ثم إلى أهل بيته، ثم إلى أصحابه، ثم إنَّ بقية الناس ناس!

*ومضة:*
قال تعالى: ‏‎﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى