الدنيا دوارة
✍ صالح الريمي :
قد لا يقرأ الكثير من الناس عن سيرة التاريخ، وعن قوانين الله وسننه في الكون والبشر، وتبدل أحوال الدنيا أعوامًا بعد أعوام، وتغير ظروفها أيامًا بعد أيام، قد تكون الرفعة لك اليوم وغدًا لغيرك، وكما كانت لك يومًا سترجع عليك لا محالة، إلا إذا حققت شروط سنة الله وأخذت بأسبابها، وعدلت في تعاملك مع الناس، ولن تجد لسنّة الله تبديلًا، والدنيا دوارة..
حول هذه المقدمة قرأتُ في [التاريخ الكبير للبخارى 8/ 175]، أن وائل بن حجر الحضرمي رضي الله عنه سليل ملوك اليمن، قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم معلنًا إسلامه، وكان صلى الله عليه وسلم قد قال لأصحابه قبل وصول وائل: «يأتيكم بقية أبناء الملوك»!.
فلما أتى وائل رحب به النبي صلى الله عليه وسلم وأدناه، ثم أعطاه أرضًا نظير ما ترك خلفه من المُلك والزعامة، وأرسل معه معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما.ليدله على الأرض، وكان معاوية وقتها من شدة فقره لا ينتعل حذاءً.!
فقال معاوية رضي الله عنه لوائل: أردفني على الناقة خلفك!!
فقال وائل: ليس شحًا بالناقة ولكنك لست رديف الملوك!!
فقال معاوية رضي الله عنه: إذًا أعطني نعلك!.
فقال له وائل: ليس شحًا بالنعل، ولكنك لست ممن ينتعل أحذية الملوك! ولكن امشِ في ظل الناقة!!
ثم أخذ الزمن يدور، وآلت الخلافة إلى معاوية رضي الله عنه، وجاء وائل إلى الشام وقد جاوز الثمانين، ودخل على معاوية، وكان جالسًا على كرسي المُلك، فنزل وأجلس وائلًا مكانه، ثم ذكّره بالذي كان بينهما فيما مضى، وأمر له بمالٍ، فقال وائل: أعطه من هو أحق به مني، ولكني وددتُ بعد ما رأيت من حلمك لو رجع بنا الزمان لأحملك يومها بين يديّ!
*ترويقة:*
قال الإمام الرّازيّ: “أي أن أيام الدنيا هي دول بين الناس لا يدوم مسارها ولا مضارها، فيوم يحصل فيه السرور لهم والغم للآخرين، ويوم آخر بالعكس من ذلك، ولا يبقى شيء من أحوالها ولا يستقر أثر من آثارها. وأيّام الدنيا على قديم الدهر لا تبقي النّاس على حالة واحدة، ولذات الدنيا وآلامها غير باقية وأحوالها غير مستمرة، وإنما تحصل السعادة المستمرة في دار الآخرة”.
*ومضة:*
لا غنى يدوم ولا فقر يبقى، لذا تجمّل في علاقاتك وارتقِ في أخلاقك، وإياك والكبر فالدنيا تدور لتقف بك يومًا عند نفس الحدث فكن محسنًا وحليمًا حتى مع من أَسَاءُوا إليك، قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس).
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*
