*ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم*
✍ صالح الريمي :
إن أسمى الغايات، وأنبل المقاصد أن يحرص الإنسان على فعل الخير، ويسارع إليه، لتسمو إنسانيته، ويتشبه بالملائكة، ويتخلق بأخلاق الأنبياء والصديقين، فقد أوصانا الإسلام أن نفعل الخير مع المحتاجين بمساعدتهم مهما كانوا عليه من ظروف..
لكني اليوم أجد بعض التجار وأصحاب الأموال وميسورين الحال، قد احجم عن التبرع والمساعدة لأصحاب الحاجة والفاقة والمرضى والمحتاجين، طبعًا كثيرة هي الظروف التي تمر بهم من كساد تجارتهم أو زيادة مصاريف التشغيل التي أصبحت باهظة الثمن، لكن الإحجام بالكلية هي المشكلة الكبرى، فسددوا وقاربوا، كلًا حسب مقدرته وامكانياته، متذكرين قول النبي صلى الله عليه وسلم ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم.
هناك أعمال ومواقف تبدو لنا صغيرة لكنها عند الله عظيمة؛ وقد تكون سببًا لدخولنا إلى الجنة بلا حساب، كأن نسعى بشدة ساقينا مع اللهفان المستغيث بالمساعدة باذلين ومضحين بأموالنا في زمن البخل والأنانية..
ويجب أن نقف مع المحتاج دون أن نشعره بشفقتنا عليه بل بفضله علينا لأنه اختارنا دون أحد ليستند عليه، فإن كنت غنيًا لا تكنز مالك وتُعزِّي نفسك بنوافل العبادات، فما يُقبل من الفقير لا يُقبل من الغني! وأسمى عبادة هي تلك التي تكون من جنس النِّعمة، فقيام الليل نافلة عظيمة، ولكن عبادة الأغنياء الأسمى ليست في قيام الليل وإنما في الصدقة، وإعانة المساكين، ومساعدة المديونين، والإنفاق على أعمال الخير والبر!
عبارة “ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم” قالها النبي عليه الصلاة والسلام لعثمان بن عفان لم تكن مصادفة ولا ارتجالًا بل تجسيد لحال عثمان الكريم السخي الذي جاد بما يملك نصرة ورفعة لدينه، فقد جهز جيش العسرة بكامله، واشترى بئرًا ليشرب الناس الماء، فقد كانت المياه عزيزة وقليلة والناس تبيع الماء، فرغب المسلمين لشراء بئر ماء معروفة بئر رومة، فاشتراها عثمان وجعلها لله..
وعام المجاعة التي اصابة المسلمين في عهد أبو بكر أتى عثمان ومعه ألف راحلة، فتهافت عليه التجار ليشترون ويحتكرون البضاعة، فقالو له: بعنا كل واحدة بثنتين أي الضغف، قال عثمان: أتاني من اشتري بأكثر، فقالوا الواحدة بثلاث، فقال عثمان: اتاني من اشترى بأكثر، فقالو الواحدة باربع، فقال عثمان: أتاني من دفع الواحدة بسبعين ضعفًا فتعجب التجار من يدفع هذا بالواحدة، ثم قام وتبرع بها كلها للمسلمين وعرف التجار حينذًا أن الواحدة بسبعين حسنة من الله في ميزانه.
*ترويقة:*
حتى نصل إلى ما وصل إليه عثمان بن عفان علينا أن نتصدق في الزمات والملمات لتفريج عن المكروبين والسعي في قضاء حوائجهم من المأكل والمشرب والملبس والمسكن والعلاج وسداد الدين، متعاطفين ومتراحمين ومتكافليم ومتضامنين في مصابهم وكربتهم وهمومهم وفقرهم ومرضهم وعجزههم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
*ومضة:*
الناس لم تتوقف عن فعل الخير لأنهم لم يصلوا لمستوى عثمان بن عفان رضي الله عنه، لكنهم أرادوا ما عند الله فبذلوا ونالوا الخير في الدارين، فلنكن من السائرين في الخير بشعار: ﴿…. وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*