همسة لمتقاعد

مشاري محمد بن دليلة- كاتب في  الشؤون الاجتماعية والثقافية: 

العيش في بلد إسلامي يرفل بالأمن والأمان، من نعم الله التي أغدقها علينا في مملكتنا الحبيبة تحت قيادة حكيمة، تلك النعم تحتاج منا إلى شكر لله سبحانه الذي خلقنا من العدم ثم علمنا مالم نعلم، ثم هيأنا لخدمة عباده في فترة من الزمن من خلال الوظيفة مثلاً، وبعدها نبلغ مرحلة معينة تنقلنا إلى التقاعد عن العمل، ولا يعد ذلك نهاية المطاف بل تتاح أدوار وفرص لخدمة المجتمع.
ولهذا نهمس لكل متقاعد خدم دينه ووطنه بأنك من الأبطال الذين كان لهم الأثر في التنمية ، كنت لبنة من اللبنات التي استفاد منها المجتمع ، كما قدمت عملاً عظيما في حقبة من عمرك فتلك النبتة التي غرستها هي الآن تكبر وتكبر وكان لها عظيم الأثر ،فقد كنت ركن زاوية وحجر أساس في النهوض ببلدك ، وقد هيأت فرص العمل لغيرك ، كنت ولا زلت قدوة لأبنائك فهم يرونك عظيماً ويحذون حذوك ، أخي المتقاعد إذا كنت معلماً فقد خرجت أجيالا بارعة كنت سبباً بعد الله في تعليمهم وتربيتهم ، وإن كنت في القطاع العسكري فأنت سبب بعد الله في حفظ الأمن واستتبابه ، وإن كنت قاضياً فأنت سبب بعد الله في نشر العدل بين الناس ،وإن كانت مهندساً فأنت سبب بعد الله في الصناعات الحديثة ، وإن كنت مصرفياً فأنت سبب بعد الله في حفظ أموال الناس ، وإن كنت رجل أمن فأنت سبب بعد الله في الحفاظ على ممتلكات الناس ، وإن كنت مزارعاً فأنت سبب بعد الله في إطعام الناس .
لاشك أن الحياة جميلة في الحقبة العمرية التي يقدم فيها المرء كل ما يستطيعه لخدمة دينه ووطنه؛ حيث بمقدوره أن يضع بصمة واضحة ويرسم لوحة فنية بألوان زاهية من العطاء في المجتمع ، كما أن لكل مرحلة من العمر جمالها يجب أن نفهم كل مرحلة بما يناسبها، ففي كل عقد من الزمن يكون له مرحلة من العطاء والإنجاز ، فحينما تنتقل من مرحلة العمل إلى مرحلة التقاعد فأنت تنتقل إلى مرحلة جديدة لن تتوقف فيها العجلة بل هي بداية إلى عجلة جديدة في الحياة، هناك من المتقاعدين من يلتفت إلى أسرته وأهله بعد التقاعد ويجعل منهم مشروعاً، ومنهم من يلتفت إلى الاقتراب من الله بالعمل الصالح والعبادة وفي كل يوم له ورد من كتاب الله، ومنهم من يكمل عمله التنموي في وطنه ويجعل من نفسه خادماً له بفكره وخبرته، ومنهم من يستمتع بالسفر ويجعل تلك المرحلة للاستكشاف ، ومنهم من يستغل وقته بالأنشطة الرياضية ، ومنهم من يستغل وقته بحضور النوادي الأدبية والاجتماعية كنادي الملك سلمان الاجتماعي بالرياض أو نوادي البلديات في الحدائق تلك النوادي الجميلة التي يجتمع فيها المتقاعدون كل صباح ويمارسون بعض الأنشطة ويتبادلون الأحاديث، همسة لكل متقاعد لا تجعل نفسك أسيرًا في منزلك فتعش فراغاً يضيع به وقتك في القيل والقال ومحاسبة أهلك وجيرانك وامام مسجدك ومؤذنه، فتكون لهم في كل صغيرة وكبيرة فيقولون ليته لم يتقاعد فقد أرهقنا.
وختاماً .. أذكرك -متعك الله بالصحة والعافية- إن هذا التصنيف الوظيفي (متقاعد، وغير متقاعد) فرضته أنظمة العمل، ولكنه ليس حكماً على الإنسان بالموت، ولا منعاً له من العطاء في ميادين أخرى، فهو تصنيف لا يصح أبداً أن يسري إلى بقية حياة المتقاعد.
اللهم اجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله.

Related Articles

Back to top button