قطار الحياة
✍رانيا مروان الخطيب – كاتبة ومستشارة أسرية :
تتفوق الحياة يوميا برسم أروع اللوحات لنا ،نعم تفوقت على أمهر الرسامين الذين يرسمون لنا طوال اسابيع لوحة واحده تخضع لمزاجيتهم ونظرتهم. بينما الحياة ترسم لنا عدد لا يحصى من اللوحات في يوم واحد.
هل فكرت يوما أن تأخذ إجازة من قطار الحياة كي تتوقف عن رسم لوحتك لتشاهد لوحات غيرك الآخرين…؟
انا فعلتها، وقررت يوما أن أترجل من قطارها وجلست على مقعد في الطريق العام لساعات أراقب دون ملل، ورأيت أجمل اللوحات التي لم نكن نعيرها انتباها، أو لا نراها لأننا كنا نمضي في الحياة في خضم ركاب قطارها.
تنوعت اللوحات وتباينت فيها الأشكال والألوان، ومما شاهدت منها ولد صغير يقفز فرحا خارجا من مدرسته فقد حصل على تقدير عال يجعلك تتساءل كم من الأولاد المتفوقين خطت أرجلهم على عتبات النجاح إلى مجال الطب والهندسة والفيزياء. وتتغير اللوحة إلى امرأة تحمل طفلها تقبل وجنتيه كل حين وتحاول إلهاءه برؤيةالسيارات العابرة، ومن هناك تطل عربة خضار يجتهد بائع في جرها مناديا بما فيها مما لذ وطاب، وواجهات محلات يعمل رجل عجوز على تنظيفها بيدين تمكنت منهما الرجفه لكبر سنه ومع ذلك يكابد للحصول على لقمة عيشه رافضا الانحناء لعداد عمره.
ومما شاهدت أيضا فتاة أمام إحدى المحلات وخيال فستان تلبسه يومض في عينيها وقد تنازلت واقعا عن اقتنائه لقلة ذات يدها، وهناك من خرجت من منزل والديها عروس كحمامة بيضاء ترفرف لتحط في سيارة عريسها ينطلقا فيها معا الى حياة جديدة لا تعرف معالمها. وبعد برهة تمر جنازة أحدهم يبكي اهلها الفراق، وفجاة يمر شاب من أمامي وصوته يعلو يتحدث بالهاتف كأنه موسيقى، وترقص كلماته فرحا على أنغامها مبشرا والده بولادة حفيد له.
وبعد مضي ساعات تمتعت فيها بالمشاهده قررت شراء تذكرة العودة الى الحياة في قطارها لأكون جزءا من لوحاتها، فمشيت متثاقلة من أوزان أغراض اشتريتها سائرة في الشارع العام فلعل أحدهم قرر مثلي آنذاك أن يترجل من القطار فيراني لونا في لوحات هذه الحياة وما ابدعها من لوحات تصافح المشاعر قبل ان تصافح عينيك.