المعلم الملهم د. عبدالله بن معيوف الجعيد
المعلم الملهم
د. عبدالله بن معيوف الجعيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين، سيدنا وسيد ولد آدم أجمعين، محمد بن عبد الله، النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن التعليم يُعدُّ أهمَّ مناشط الحياة التي تمارس في مختلف المجتمعات البشرية، ويحظى بأكبر قدر من الاهتمام لدى غالبية المجتمعات، أما لدى المجتمعات المتقدمة فيتربع على قِمَّة قائمة الأولوليات، ويعتبر هو الأمل الجيد في حياة أفضل للأفراد في مختلف أنحاء العالم.
وعلى الرغم من أهمية التعليم، فإنه لا يؤتي ثمارَه إلا بوجود المعلمين المخلصين، المؤهلين لأداء رسالتهم التعليمية والتربوية؛ لأن المعلمين يمثلون حجر الزاوية في المؤسسات التعليمية، فهم المسؤولون عن تنشئة الأفراد، وتدريبِهم على التعامل مع مصادر المعرفة المختلفة، وتمكينِهم من الاستفادة منها في اتخاذ القرارات، إضافةً إلى أنهم هم الذين يؤمل فيهم ـ بعد الله جل وعلا ـ في صقل مهارات التفكير المختلفة لدى الأفراد، مما يسهم في تكوين العقلية المتكاملة لدى كافة الشرائح الفاعلة في المجتمع، والذين يعتبرون صنيعةَ المعلمين على اختلاف تخصصاتهم ومواقعهم ومنازلهم، فالمعلمون هم الذين يؤهلون الجميع ليكونوا مواطنين مفيدين لأنفسهم ولمجتمعاتهم.
والناظر إلى وضع مهنة التعليم في العالم اليوم، يدرك الحاجة الماسَّة إلى رفع مكانتها ـ ليس من أجل المعلمين أو الطلاب فقط ـ وإنما من أجل المجتمعات ومستقبل أفرادها.
وفي يوم المعلم يجدر بنا التأكيد على مكانة المعلمين باعتبارهم أساسًا في بناء مستقبل الأمم والشعوب، كما أن هذه المناسبة تؤكد على إقرار المجتمع بهذه المكانة، وعظيم المسؤولية الملقاة على عاتق المعلم، مما يستوجب الاهتمام بشؤون المعلمين وتحسين الظروف التي يعملون فيها؛ لأن ذلك يعينهم على بذل أفضل ما لديهم من قدرات وإبداعات، والاستفادة منها في تطوير التعليم، وتحسين مخرجاته.
ومهنة التعليم ليس بالمهنة السهلة، بل هي شاقة، فمشقَّتُها توازي شرفها، ومما يوضح صعوبة مهنة التعليم: أن المعلمين مطالبون دائمًا بالتأقلم مع المتطلبات المتغيرة للعملية التعليمية،وأن نجاح التعليم يقع على عاتقهم بالدرجة الأولى، فالمعلم هو العنصر الوسيط الذي يربط بين عناصر العملية التعليمية الأخرى، وهو المسؤول عن تحقيق التفاعل والتكامل بين هذه العناصر للوصول إلى أهداف التعليم المتمثلة في بناء الأجيال وتزويدهم بالمعارف والعلوم المختلفة.
ومن هذا المنطلق تتأكد ضرورة وجود معلم مخلص يمتلك مختلف المهارات اللازمة للتعليم، ولديه القدرة على مواكبة التطورات التي تطرأ على البيئة التعليمية، ويتميز كذلك بقدرته على تفهم الطلاب واحتياجاتهم المختلفة، ووجودُ هذا المعلم يعد ضمانًا لنجاح التعليم وتحقيق أهدافه، ويسمى هذا المعلم بالمعلم الملهم.
إخوتي وزملائي المعليمن: إنه بإمكان كل معلمٍ أن يصبح معلمًا ملهمًا، ولكن لابد بدايةً أن يكون مفهوم المعلم الملهم واضح المعالم، وأن يكون الطريق الذي يشقه المعلم إلى أن يكون ملهما منهاجا مستقميا، وجادة واضحة لا الالتباس فيها ولا غموض.
فنقول: إن المعلم الملهم هو المعلم الذي يستطيع أن يؤثر في الطلاب، ويوجههم لاتخاذ المسارات الصحيحة في دراستهم، فيفتح أمامهم الآفاق، ويكون لهم بوابةً يعبرون من خلالها إلى المستقبل المشرق الذي يحققون فيه أحلامهم.
والمعلم الملهم يتصف بالإبداع في توظيف الأساليب التعليمية المختلفة، والاستفادة من الموارد المتاحة في بيئات التعلم، من أجل الوصول إلى حصص دراسية فريدة، يستطيع الطلاب من خلالها أن يصلوا إلى المعلومات بوضوح ويسر، ويتمكنوا من الحصول على المهارات بطريقة ممتتعة تناسب كلَّ واحد منهم على اختلاف قدراتهم ومواهبهم وميولاتهم.
ويجب أن يمتلك المعلم الملهم قدرةً فريدة على اكتشاف مواهب الطلاب وهواياتهم، ويعمل على مساعدتهم من أجل تطويرها، ويشجعهم باستمرار على الاهتمام بها وصقلها من خلال الوسائل المختلفة.
والمعلم الملهم يساعد في تكوين العقول النابغة والمبدعة، على خلاف ما يقوم به المعلم بالطرق التقليدية، والذي يركز كل اهتمامه على تقديم الحصة الدراسية فقط، ولا يطمح إلى التطور ومواكبة التغييرات.
ولكي يكون المعلم ملهمًا لابد له أن يسعى إلى اكتشاف الخصائص والصفات التي يجب عليه امتلاكها والتحلي بها، وخاصةً تلك الصفات المتعلقة بالتعامل مع الطلاب، سواءً في فصول الدراسة أو خارجها، حيث يجب على المعلم أن يبني ثقةً كبيرة بينه وبين الطلاب، وذلك من خلال اكتشاف النقاط التي يتميز بها كل طالب، وإيمانه أن كل طالب لديه ما يميزه عن غيره من الطلاب، سواءً في الدراسة أو في الأنشطة والهوايات، والاستفادة من هذه الثقة في تعزيز ثقة الطلاب بأنفسهم وتشجيعهم؛ ليصبحوا ناجحين ومؤثرين في حياتهم ومجتمعهم، ومساعدتهم على التغلب على العقبات والمشكلات التي تواجههم باستخدام مختلف الوسائل المتاحة.
ومن الصفات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها المعلم: الشغف؛ لأن الشغف هو المحركُ الأساسيُّ للإبداع في العمل، وهو الدافعُ الذاتيُّ لأداء العمل بأمانة، كما أن الشغف دائما يصاحبه الحرص على التطور المستمر واستخدام الأدوات والوسائل التي تساعد في تقديم الدروس بأفضل صورة ممكنة للطلاب.
وشغف العمل لا يتوقف لديه بل ينتقل منه إلى الطلاب، فيُنمِّي المعلم الملهم الشغوف لدى الطلاب الشغف بالتعلم وحب الدراسة.
ويتعتبر الصبر من أهم الصفات الإنسانية الأساسية التي يجب أن تتوفر في المعلم الملهم، ومهنة التدريس ـ على وجه الخصوص ـ قائمة على الصبر وبذل الجهود من أجل تنمية الأفراد، والوصول إلى الأهداف المنشودة، والصبر على أعداد الطلاب الكثيرة أثناء التدريس والتوجيه، وعلى ما يبدر من الطلاب من سلوكيات تحتاج إلى تقويم، أو ما ينال المعلم من جفاء الطلاب أو قسوة تعاملهم معه، كل ذلك يتعبر لدى المعلم المهم بمثابة الأعراض المرضية التي يسعى الطبيب إلى علاجها والوقاية منها قبل وقوعه، ولا يعتبرها بمثابة حوادث مرورية يكون فيها أحد طرفين صاحب حق يطالب به، أو مخطئا يتملص من الحق الذي عليه.
والحديث عن المعلم الملهم حديث ممتع طويل، لا هو بالذي يمل، ولا بالذي يمكن يمكن اختزاله في بضعة سطور، ولا بضع صفحات.
لكن له ملامح وأعلام لا تعدوها عين البصير، منها: جميع الأعمال الإيجابية التي يمكن أن يمارسها المعلم في الفصول الدراسية، والتي تتضمن الاستفادة من خبرته، ومنها: توظيف القدرات في استخدام الأساليب المناسبة للتعليم والتعلم في حياته المهنية والشخصية، ومنها: اكتسابه الصفات والخصائص التي تميز المعلم الملهم عن غيره من المعلمين، والتي تمكنه من التأثير في الطلاب وتغيير حياتهم للأفضل، فالمعلم الملهم يعد قدوة للطلاب ومثالًا يحتذى به، في تقديمه لرسالة التعليم بصورتها المشرقة، وعلى هذا فإنه بإمكان يمكن كل معلم أن يكون معلما ملهما، وبهذا يحقق الأهداف المنشودة من التعليم.