لكن ربك كريم
✍ صالح الريمي :
أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى الصدقة على الفقراء والمحتاجين، وهي دليل على صحة إيمان العبد بربه، ويقينه بأن الرزق بيد الله تعالى وحده،
من منطلق هذه العبارة أحكي لكم قصة رجل كان فقيرًا فأصبح اليوم غنيًا، بالأمس كنت في جلسة سمر مع ثلة من الشباب الطيبين الخيرين، وكان من بين الجلسة رجل من زمن الناس الطيبين..
وأثناء حوارنا ذكر قصته الإنسانية الرائعة التي حصلت له شخصيًا، يقول فيها: أنا عملي سائق تاكسي (ليموزين)، ويوميًا من الصباح الباكر أتجول من شارع إلى شارع للبحث عن زبون، ويومًا سبحان الله كان العمل ضعيف جدًا، وعندما هممت بالعودة لسكني أستوقفني شخص على قارعة الطريق من مظهره وشكل ملابسه اتضح لي من الوهلة الاولى أنه فقير، قلت له: إلى أين …؟
قال: إلى المنطقة الفلانية على رأس جبل من جبال مكة المكرمة، ولكن والله ما معي أي ريال أعطيك إيَّاه… وقفت برهه شارد الذهن متسائلًا في نفسي هل أركبه واكسب أجره أم لا..؟
لكن الله هداني والهمني أن اركبه معي لعل الله يعوضي خيرًا، ونحن في الطريق اتصلت به زوجته وانا أسمع الحوار، قائلةً له: هل جئت لنا بأكل وطعام؟ فنحن من الصباح لم يدخل بطوننا شيء..
رد عليها للأسف الشديد ذهبت لبعض أصدقائي أطلب منهم مبلغًا من المال سلفة حتى أجد عملًا مناسبًا لسني، لكن باءت كل محاولاتي بالفشل الذريع ثم قال لزوجته “لكن ربك كريم”.
سمعت هذه العبارة “لكن ربك كريم” لكن وقرت في قلبي وبدأت تأتيني الوساوس بيني وبين نفسي الإمارة بالسوء والشيطان مقدمًا خطوة إلى الخير لشراء طعام له ومتراجع خطوات لأني لا أملك إلا قوت يومي أنا وابنائي، والحمدلله وفقني الله بتذكر قول الله تعالى: {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، وغلبتُ نفسي والشيطان واوقفت سيارتي عند أحد المطاعم، واشتريت طعامًا بكل ما أملك من مال “خمسين ريالًا” للرجل الفقير محتسبًا الأجر عند الله عزوجل..
وعند نزوله في منطقته أعطيته الطعام فدعى لي بخير، واتبعته خفيه حتى وصل منزله وعندما فُتح له الباب فإذ بأولاد الرجل الفقير إلتهموا نصف الطعام أمام الباب، بعد ذلك خرجت من منطقته ساعيًا في كسب رزقي من مجددًا، باحثًا عن زبون وراكب جديد.
استوقفاني رجلان قالا لي: خُذنا إلى المطار، فأخذتهما وأثناء حديثيهما لمست أنهما من فئة التجار، وعند وصولي للمطار سألني أحدهم كم قيمة المشوار قلت خمسين ريالًا، فأعطاني ظرف بخمسة الألف ريال، وذهبا دون أي كلام معي، وأنا بين مصدقٍ ومكذب كيف أنني دفعت الخمسين ريالاً للرجل الفقير، فجاءني من حيث لا أحتسب خمسمائة الف ريال يا رب يا كريم.!!
هل تعرفون ماذا فعل الرجل بعد هذا الموقف النبيل؟ أنقل لكم بقية الحكاية الغير متوقعة وهي أكثر عمقًا عن كل ما سبق، رجع صديقي إلى بيت الرجل الفقير، وأشترى لهم ب 2500 ريال ما لذ وطاب من الطعام والفواكة والحلويات والخضار والبسكويتات واللحوم والدجاج والأرز تكفي لأسبوع.
وقال صاحب التاكسي للرجل الفقير: ساق الله لي كل هذا الرزق بسبب مساعدتي لك، وكانت خالصة لوجه الله تعالى، والآن عدت إليك لاكافئك وأعوّد نفسي وأربيها على التعلق بالله تعالى وعلى الصدقة وإخلاص النية، فهو الرزاق الكريم..
يقول من بعد هذا الموقف الجميل والنبيل والإنساني، أخذت على نفسي عهدًا بالصدقة كل يوم، فصب الله علي الرزق صبًا صبا ومن حيث لا أحتسب، وأصبحت من الأغنياء، فاستأذنته بنقل القصة للناس دون ذكر اسمه.
*ترويقة:*
“وعلى نياتكم ترزقون” كما يقال، لذا تذكر أيها الإنسان أنك عندما تتصدق على فقير أنت المحتاج لعفو ربك وكرمه، فلا تظن أنك قد مثلت دور الكريم مع المحتاج، فالصدقة ظاهرها تطهير الذنوب وفي الحقيقة والواقع إنما نحن نتصدق على أنفسنا، قال الله تعالى: (مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا).
*ومضة:*
هنيئًا لكلِّ فائزٍ بخير الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وماتُنفِقُوا مِن خَيرٍ يُوفَّ إِليكُم}.
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*