دور المرأة في المثل الشعبي الثقافي الجزائري ” مدينة تلمسان أنموذجا”

للدكتورة البروفيسور ليلى صديق / جامعة مستغانم

محمد غاني _ الان

من أهم الشخصيات الادبية و الفكرية و الجامعية التي طالما شاركت بقوة و استمرار و مواظبة في مجموع فعاليات الملتقيات الوطنية للجمعية الجزائرية للأدب الشعبي و اثرتها بمداخلات فكرية هامة على هامش القراءات الادبية منها المداخلة التي كررت القاءها نظرا لاهميتها من جهة و لواقعها المعيش من جهة اخرى بعنوان ،، دور المراة في المثل الشعبي الثقافي الجزائري ،، و نظرا لأن ” المداخلة ” اضحت تنال في كل مناسبة أعجاب الجمهور النوعي بقوة و اهتمام الصحف الاعلامية ارتأت جريدة ” الان” نشرها بعد استسماح الدكتورة ليلى صديق المدرسة كاستاذة محاضرة بجامعة مستغانم شمال غربي الجزائر و التي لم تتوان في تلبية الدعوة بخصوص افادة القراء بالمعلومات القيمة التي تتوفر عليها ” الدكتورة الأديبة ” و تسعى الى نشرها باسهاب.

مفهوم المثل عند اللغويين العرب القدامى : قال الزمخشري في شرح كلمة مثل ،، ومثله به أي شبهه و تمثل به اي تشبه به و مثل الشيء بالشيء سوي به و قدر تقديره ولقد خصص جلال الدين السيوطي 911 هجرية في النوع الخامس و الثلاثين من مزهره مجموعة من الأقوال لعلماء العربية في معرفة الأمثال جاء فيه قال ابوعبيد : الامثال حكمة العرب في الجاهلية و الاسلام و كما كانت تعرض كلامها فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق بكناية غير تصريح فيجتمع لها ثلاثة اشياء خلال ايجاز اللفظ و اصابة المعنى و حسن التشبيه و قد ضربها النبي عليه الصلاة و السلام و تمثل بها هو ومن بعده من السلف و قال الفرابي في ديوان الأدب المثل ما ترضاه العامة و الخاصة في لفظه و معناه حتى ابتذلوا فيما بينهم و فاهوا به في السراء و الضراء و هو من ابلغ الحكمة لأن الناس لا يجتمعون على ناقص أو مقصر في الجودة أو غير مبالغ في بلوغ المدى في المنافسة و قال المرزوقي في شرح الفصيح المثل جملة من القول مقتضبة من أصلها او مرسلة بذاتها فتتسم بالقول و تشتهر بالتداول فتنتقل عما وردت فيه الى كل ما يصح قوله بها من غير تغيير يلحقها في لفظها و عما يوجه الظاهر الى أشباهه من المعاني فلذلك تضرب و ان جهلت أسبابها التي خرجت عليها و استجيز من الحذف و
مضارع ضرورات الشعر فيها ما لا يجتاز في سائر الكلام و نفهم من هذا القول أن الامثال لا تتغير و يجهل مؤلفها و المناسبة التي قيلت فيها ومن أهم المصادر التراثية التي عالجت المثل عند العرب جمهرة الامثال لأبي هلال العسكري و مجمع الأمثال لأبي الفضل احمد بن محمد بن ابراهيم النيسابوري الميداني و كتابه مدون في جزأين و هو كتاب غريب فريد في بابه يحتوي على ما يقرب من ستة الاف مثل مشروحة و أبدع ما يحتويه أنه يسجل مناسبة المثل بلغة تتميز بالبلاغة و الدقة و الفصاحة فهو ليس مجموع امثال فحسب و لكنه ديوان من دواوين العرب نثرا و شعرا و المستقصى في الأمثال للزمخشري و المثل السائر لابن أثير و الفلك الدائر علىالمثل السائر لابن أبي الحديد أما المثل في الاصلاح الأدبي فهو ذلك الفن من الكلام الذي يتميز بخصائص و مقومات تجعله جنسا من الأجناس الأدبية قائما بذاته و قسيما للشعر و الخطابة و القصة و المقالة و الرسالة و المقامة ،،،،

علاقة المثل بالحكمة : لكي ندرك الفرق بين كل من المثل و مدلول الحكمة و العلاقة بينهما علينا ان نعرف معنى كلمة الحكمة في اللغة العربية و الحكمة في اللغة تتعلق بعدة معان اشهرها ثلاثة هي :
العلم: اذ يقول العرب حكم فلان حكم و حكمة اذ صار حكيما أي عالما و صاحب حكمة
الاتقان : اذ يقولون أحكم فلان عمله احكاما اذا أتقنه فهو متقن و محكم
المنع : فيقال حكمت السفينة و حكمه و حكمتهاي منعته و أخذت على يديه و من هذا المعنى قيل للحاكم لانه يمنع الظالم من الظلم
وتعرف الحكمة بالاصطلاح الأدبي : المرادبها تلك العبارة التجريدية التي تصيب المعنى الصحيح و تعبر عن تجربة من التجارب الحياة او خبرة من خبراتها و يكون هدفها عادة الموعضة و النصيحة و نلاحظ مما سبق ذكره من تعريف لكل من المثل و الحكمة اننا نستطيع ان نلمح عدة فروق بينهما أولاأن المثل أساسه التشبيه و أما الحكمة فعمادها اصابة المعنى و لا يراعى التشبيه فيها والا تصبح مثلا و ثانيا ان اسلوب المثل دائما موجز عكس أسلوب الحكمة الذي قد يطول نسبيا و ثالثا ان الهدف من المثل الاحتجاج و من الحكمة التنبيه و الاعلام و الوعظ و رابعا ان المثل يصدر من جميع الناس بمختلف طبقاتهم الفكرية و الاجتماعية اما الحكمة فلا تصدر الا من حكيم و فيلسوف او أضرابهما

وفي الحقيقة أن المثل و الحكمة قد يلتقيان حين نحسن الحكمة و تكون موجزة العبارة فيتهيأ لها بذلك ان تسير بين الناس و تتداولها السنتهم و أقلامهم فتدخل حضيرة الامثال و في هذه القضية يقول أبو هلال العسكري ،، ثم جعل كل حكمة سائرة مثلا و قد يأتي القائل بما يحسن من الكلام ان يتمثل به الا أنه لا يتفق أن يسير فلا يكون مثلا ،، واذا فالحكمة نوعان نوع يسير و يفشو فيصبح مثلا و نوع لا يتهيأ له ذلك فلا يسمى مثلا كما يشير مثلا في هذا الصدد عبد الحميد بن هدوقة في مقدمة كتابه للأمثال الجزائرية موضحا الفرق بين المثل من ناحية و و الحكمة و القول السائر من ناحية أخرى يكمن أساسا من حيث الدلالة في الأبعاد الاجتماعية التي يعبر عنها المثل فقال : ايدوا لنا أنه بالرغم من الترابط و التلاحم الواضح بين المثل و الحكمة و القول و القول السائر الى ان هناك بعض الفرق فالحكمة تتضمن موعظة أو نصيحة أو عبرة مثل قول الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه و كرم وجهه ،، عمرت الأوطان بحب الأوطان ،،و القول السائر يقرر شيئا واقعا مثل قولهم ،،كتبت التربة ،، بينما المثل قد يتضمن ذلك أو لا يتضمن و تعد ألأمثال الشعبية أحدى أنواع الأدب الشعبي حيث انتقلت عبر الاجيال عن طريق الرواية. و الحفظ و تكون بما حفظت عليه من مفردات مضدرا مهما من مصادر دراسة التطور اللغوي من الفصحى الى اللهجات في الوطن العربي و لا شك في أن هذا الموروث من الأمثال على قلة ما دون منه يمثل حصيلة تجربة الانسان المتعاقبة مع الحياة و نظرته للكون و المعتقدات الانسانية في مجالاتها المتعددة عقائدية أو تاريخية أو اجتماعية و بمعنى اخر فان المثل الشعبي يصدق لأنه ليس تجربة فرد و أنما هو تجربة أفراد يتكون منهم مجتمع تحكمه عوامل متغيرة مختلفة و من هذا لا نجد مثلا واحدا لا يصدق مع التجربة و القياس

قد يستقي المثل العامي عادة بلاغته من مصدرين ،، التجربة و التعبير ،، فالتجربة تحتوي على مضمون بليغ و يتولى التعبير صياغته في أسلوب بليغ حيث يتبع اسلوب المثل اساسا كما سبقت و ذكرت من ايجاز بحيث تبدو الكلمات منتقاة بعناية شديدة تدل دلالة مباشرة على المعنى بل المغزى و قد يطلق على المثل الشعبي في الجزائر على ألسنة العوام من الناس مصطلح المعاني فهو لا يبعد كثيرا عن المعنى الاصطلاحي الأكاديمي للمثل الشعبي
مدينة تلمسان الواقعة في أقصى الجزائر الغربي نموذجا : تتميزالامثال الشعبية في مدينة تلمسان بايجاز اللفظ و دقة المعنى و جمال التعبير باستعمال أدوات بلاغية كالسجع و التشبيه و الجناس و الكناية ،،، فهي تنقل وجهة نظر الأجيال في أمور الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و الدينية ،،،كما لاحظت من خلال جمعي و سماعي لمجموعة من الأمثال الشعبية على لسان المرأة التلمسانية عدة موضوعات منها ما يخص هذه المرأةبحد ذاتها باعتبارها موضوعا فاعلا في المجتمع و منها مايتعلق بعلاقتها بالطبيعة أو البيئة التلمسانية و من بين هذه الأمثال الشعبية

1/ الكبدة مافيها ري و لا حرارة 2/زواج ليلة تفتاشو عام 3/ اللي ما عندو بنات ما عرفوه باش مات 4/ لاتاخذ المطلق و لا المقلق فهذه الأمثال تنقل لنا وجهة نظر المرأة التلمسانية للانجاب حين عبرت بكلمة ،، كبدة ،، في المثل الأول عن الأمومة كما تعطي بعض النصائح للمقبلين عن الزواج بصفة عامة و كذا أهمية البنت أو الفتاة داخل العائلة وكما نجد في بعض الأمثال بعض الدلالات الاقتصادية و الاشارة الى أهمية الوقت لدى الانسان من أجل الانتاج حيث جاء في الامثال التالية:
1/ حديث و مغزل
2/ اللي ما رقع مالبس
3/ يمشي مال الجدين و تبقى صنعة اليدين
4/ الراجل جابية و المرة خابية كما نلاحظ في بعض الامثال الشعبية الشعور بالمرارة

نتيجة للغربة و هجرة الانسان لأرضه الاصلية لأرض اخرى و هو شعور مشترك بين جميع بني البشر جاء في المثل الشعبي ،، كل محولة مذبالة لو يكون عروقها في الواد ،،فتشبه الانسان في هذا المثل بالنبات
الخاتمة: ونستنتج مما سبق ذكره ان الامثال الشعبية الجزائرية لم تأت من فراغ بل هي خلاصة تجارب حياتية و نظرة الانسان الى الكون و المجتمع كما تعكس ذكاء الانسان بصفة عامة و المراة بصفة خاصة في التعامل مع أفراد المجتمع كما تتميز هذه الامثال بحكم و جماليات الصور المعبر عنها بتعابير فنية و على الرغم من عاميتها الا انها لا تبعد عن انها ابداع فني و أدبي و هي مراة تعكس ثقافة المراة الجزائرية بصفة عامة و المراة التلمسانية بصفة خاصة

بورتري موجز عن الدكتورة المحاضرة ليلى صدوق: من مواليد 24 جوان1970 بتلمسان زاولت دراستها الابتدائية و المتوسطة و الثانوية و الجامعية بمسقط راسها بمدينة تلمسان حيث تحصلت على شهادة الليسانس ثم التحقت بجامعة مستغانم للدراسة لاجل الحصول على شهادة الدكتوراه و كان أول توظيف لها كأستاذة مساعدة بجامعة مستغانم بعد حصولها على شهادة ماستر و هي تدرس حاليا بنفس الجامعة كأستاذة محاضرة منذ سنة 2011 شاركت في ملتقيات بالعديد من الجامعات الجزائرية بالولايات منها الشلف و غليزان و تلمسان ووهران و مستغانم كم شاركت في جامعة باريس بفرنسا بمحاضرة حول المسرح الجزائري عبد القادر علولة نموذجا و قامت بتربصات ومحاضرات بجامعتي دمشق بسوريا و القاهرة في مصر و التقت بشعراء كبار مثل فاروق شوسة و المفكر و العلم اللغوي كمال بشيش و عدة شخصيات أدبية و فكرية و لها مشاركات لثلاثة سنوات بمركز البحوث الأنترو ثقافة شعبية وهي مختصة في في اكاديمية لسانيات عربية و البحوث الترتثية الشعبية ودرست مقياس الأدب الشعبي العام بأنواعه ل 15 سنة كاملة و أشرفت على عدة مذكرات و الرسائل الجامعية لتخرج للطلبةفي مجال التراث الشعبي و درست المسرح الجزائري بالاخص مسرح عبد الرحمن كاكي و عبد القادر علولة

بورتري موجز عن مدينة تلمسان مهد الامثال الشعبية الجزائرية: تقع في الاقليم الغربي من ارض الجزائر و التي تتميز بجمال الطبيعة حيث تتخللها سلسلة من الجبال تطل على سهول واسعة الأرجاء و تحدها سلسلة من التلال قليلة الارتفاع و يكتنف مدينة تلمسان غربا أطلال المنصورة التي شيدها ،، أبو يعقوب يوسف المريني سنة 698 هجرية و شرقا قرية العباد العالية شهدت هذه المدينة عدة حضارات و لكنها عرفت ازدهارا كبيرا في ظل الحضارة العربية الاسلامية و اشتهرت في عالم التجارة فمركزها الجغرافي و السياسي أعانها في ربط المغرب الأوسط بالمغرب الاقصى. و الأندلس و بلاد السود و كانت مقصدا لتجار عن طريق ميناء ارشقون و هنين كما عرفت المدينة ازدهارا فكريا و حضاريا فكثرت بها المساجد و المدارس العلمية حيث نبغ فيها العلماء و الادباء فكانت عاصمة المغرب العربي و لا تزال الى اليوم تحافظ على ارث ثقافي و حضاري كبير منه ماتعلق بالموروث القولي و الشفوي بصفة خاصة كالشعر و الامثال الشعبية

Related Articles

Back to top button