التخفف من الدنيا

✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :

النظرة الخاطئة للدنيا من المسببات الكبيرة لما يحدث من مشاكل وتجاوزات وتعد، والانتصار للنفس صورة من صور التكالب على الدنيا لعظم موقعها في القلوب، واستعجالاً لكسب مادي يتبعه خسران أدبي يبعد المسلم عن زمرة الصالحين وينكت في القلب نكت الفتنة حتى يتشربها فتطغى عليه، وما الدنيا إلا هذا العمر الذي نحياه والذي هو رأس مال الإنسان الذي يمضي شيئاً فشيئاً ويبقى بعده ما اكتسب فيه من خير أو شر تبقى تبعاته ليحاسب عليها، فهل نضيع جواهر الأنفاس بأعمال فاسدة…؟ أو نهب للآخرين حسناتنا…؟ أو نشتغل بما لا يعنينا فيكون ذلك حسرة علينا يوم توزع الدرجات وينال السابقون أجر سبقهم…؟
قال صلى الله عليه وسلم: “إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون” ، فهي دار التكليف التي يصيب النجاة من تخفف منها وتركها لما هو خير منها (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)، وقد قيل: من نافسك في الآخرة فنافسه فيها ومن نافسك في الدنيا فألقها في نحره، فسعادة تلك الدار الآخرة هي الفوز الحق.
ولقد فهم الأولون هذا فجعلوا الدنيا جسراً يعبرون عليه فتخففوا من أعبائها ليسهل المرور من فوق الصراط، ولقصرها لم يدعوا فيها مجالاً لحمل الهموم أو الانشغال بمتعلقاتها في علاقتهم مع من حولهم، فهي عرض مبذول لمن أراده بعد أن تميزت حقيقتها فلم يعد لهم فيها مطلباً.
يذكر أحمد بن عمار الأسدي أنه خرج مع معلمه في جنازة ومعه جماعة من أصحابه، فرأى في الطريق كلاباً مجتمعات بعضها يلعب مع بعض، ويتمرغ عليه ويلحسه…
فالتفت إلى أصحابه فقال: انظروا إلى هذه الكلاب ما أحسن أخلاق بعضها مع بعض.
قال أحمد بن عمار: ثم عدنا من الجنازة وقد طرحت جيفة، وتلك الكلاب مجتمعة عليها يتهارش بعضها مع بعض، ويخطف هذا من هذا ويعوي عليه، وهي تتقاتل على تلك الجيفة.
فالتفت المعلم فقال: قد رأيتم يا أصحابنا متى لم تكن الدنيا بينكم فأنتم إخوان، ومتى وقعت الدنيا بينكم تهارشتم عليها تهارش الكلاب على الجيفة.
قال بعض البلغاء: الدنيا لا تصفوا لشارب ولا تبقى لصاحب، ولا تخلو من فتنة ولا تخلي من محنة، فأعرض عنها قبل أن تعرض عنك، واستبدل بها قبل أن تستبدل بك، فإن نعيمها يتنقل، وأحوالها تتبدل، ولذاتها تفنى. وتبعاتها تبقى.
أرى الدنيا لمن هي في يديه
هوان كلما كثرت لديه
تهين المكرمين لها بصغر
وتكرم كل من هانت عليه

Related Articles

Back to top button