الروائي السعودي عادل النعمي: كان لدي رغبة ملحة في كتابة مشاعري نحو كلبي
أجرى الحوار: لطيفة حسيب القاضي
الروائي السعودي عادل النعمي: كان لدي رغبة ملحة في كتابة مشاعري نحو كلبي
اليمن: لطيفة حسيب القاضي
الكاتب والقاص والأديب السعودي عادل بن أحمد النعمي . ولد عام 1982م. هو كاتب يعشق الكلمات والحروف. كتاباته الفكرية تستنهض القارئ العربي، وتحاول أن تدفعه إلى إعادة النظر في طرائق التفكير والقراءة. يشرب الحبر ثم ينفثه على صدور الورق ليصنع عالمًا من الأحلام يتمناه ولا يشبهه.
لديه ثلاث دراسات أدبية، وخمسة مؤلفات منها مجموعة قصصية بعنوان (حروف على الماء) ومجموعة خواطر بعنوان (أعطيني فرصة لتفهمني)، ورواية (التائه)، ورواية (سيد الفوضى). من خلال هذا الحوار المستفيض يحدثنا الكاتب عن واقع القصة العربية اليوم، و ولادة القصة عنده، والمساحات الثقافية التي يطلقها عبر حسابه على تويتر.
في نصوصك فسيفساء من أطراس نصوص متنوعة لا تحصى ولا تعد. منها المكتوب ومنها الشفوي. هلاّ حدّثتنا عن مصادرك التي تحيك منها قصصك؟
عادل النعمي: قصصي من الواقع، ولكن أضع عليها سحري! سحر السرد الممتع… الذي أنا أحد ملوك عالمه! وكذلك قلق الإنسان وفلسفته تجاه الحياة. في الحقيقة أنا مارد أملك شياطين، عندما أفكر: أطلقهم في كل وادٍ يعبثون، وأنتظر على عرشي، حتى يأتيني أحدهم بنبأ عظيم (يرضي غروري) … هذا ما أصنعه! ثم أضع لمسة خيال وأشياء أخرى… لها من كل فن نصيب، فأنا صديق جيد للكتب، وتلك الكتب قد قدمت لي بحكم الصداقة والمحبة، كل ما في جوفها من عصارة الفكر الإنساني، بدءًا من علم النفس، وانتهاءّ بالفلسفة.
كيف تولد القصةُ عندك؟
عادل النعمي: هي لا تولد! هي تخلق من الفراغ.. كاملة بكل تفاصيلها وكل ما عليّ هو الكتابة. الحياة غنية جداً بالقصص، كل ما علينا هو التأمل. هناك موقف مصيري يمر بي، أو يمر بأحد أصدقائي يكون في اختيار إحدى الضفتين… أو ربما هو عابر تافه كما يراه الآخرون، ولكن به تحول غير ملحوظ سيغير الكثير من حياتي أو حياة من يقرأ؛ فألتقطه كشخص خبير يجيد أن يشكل من المعدن النفيس تحفة رائعة تسرق الألباب بجمالها.
أنا شخص مؤمن أن (كل إنسان يحمل حكمته الخاصة) الله وضع له تجارب خاصة به، إذا تأملها سوف يرتقي إلى نضجه، وليس عليه إلا التأمل.. التأمل وحسب، عندما تكون القصة داخلنا؛ تصبح مجرد مواقف عابرة (ننتصر فيها لأنفسنا) فكل إنسان يرى أنه على صواب، ولكن عندما يكتبها يجد أمامه ذاته ـ بكل همومها ـ وكأنه أمام جدارية ضخمة لنموذجه المأزوم بالتناقضات… وعندما يواجه ذاته سيصبح الخصم والحكم، وحينها ينضج فكرياً ونفسياً وروحياً.
هذا ما أصنعه بصراحة لا يهمني العالم ـ أو أني أكتب قصص جيدة ـ كل ما يهمني أن أكتب قصة ترقى بمخيلتي أو تحرقها لا فرق! شيء يشعلني من الداخل شيء أرى فيه أني ما لا اراه.
شيء يجعلني اتخلص من جلد تجربتي الحالية لأرى عمقًا آخر في الحياة كان غائباً عني أو لم أستشعره بالشكل الكافي ،هذا ما صنعته في رواياتي وكل قصصي القصيرة.
بصراحة شديدة جدًا (أريد هذا السطر) السطر الوحيد الذي يغيرني أنا فقط… هذا السطر به حكمة بين ركام حياتي وتجاربها أو تجارب من حولي، وسأحكي قصة لأن كلامي أشعر أنه مجرد كلام فيه الكثير من الإبهام، لتوضيح ما أريد قوله. كان لدي رغبة ملحة في كتابة مشاعري نحو كلبي!
كتبت خمسًا وعشرين صفحة من الذكريات والألم. بعد ذلك ظهر سطر وحيد، سطر كأني به شعلة نار… دهشة… ضياء… صرخة… نداء…. عمق… عمق يخبرني أن أتأمل من ثم أغير حياتي.
وبعد تلك القصة تغيرت حياتي للأفضل، لأن ذلك الكلب عندما أطلقت عليه رصاصة رحمة بسبب مرضه بالسعار، بعد التأمل في هذا الموقف أطلقت على عدة علاقات كانت تؤذيني جداً (رصاصة رحمة) وأصبحت حياتي ترفل في نعيم الاستقرار.
عادة ما توجه تهمة جاهزة للكُتاب المتمردين على القواعد والاشكال والقوالب بأنهم يكتبون بعيون الناقد. ما علاقة الناقد بالقصة والروائي فيك؟
عادل النعمي: كنت أتحدث عن أن كل إنسان لديه مهارة كتابة، ولكن عندما يريد أن يترجم ما يفكر به على الورق رغم أنه متحدث جيد، لا يستطيع أن يتقمصَ ثلاث شخصيات، شخصية الكاتب، وشخصية الناقد، وشخصية القارئ!
دعوني أوضحها بمشهد سينمائي.. رجل يجلس على كرسيه الفاخر.. يمتلك ألف عين.. كل عين تشاهد رؤية مختلفة، ولها خصائص مختلفة، وألوان مختلفة، ويرى الملايين من الأشياء بهذه العيون، ويستطيع فهمها في نفس الوقت، يبدأ في انتقاء فكرة واحدة بين ركام تلك الملايين من الأفكار مما تحويه ذاكرته.
يتفاجأ بشبح ضخم على يمينه، يتحدث بصوت متداخل… مشوش… عميق… مهيب… له زمجرة الرعد كالرعد، مخيفة لصاحب الألف عين، ولكن صاحب الألف عين يطيعه، فيتشتت ويتبعثر ولا يستطيع يقوم بمهمته.
بعد وقت يتماسك ذو الألف عين، ويبدأ يكتب بحذافير ما يريده الشبح ـ الناقد ـ يتم له الأمر ويبدأ في كتابة نص خلاق خالي من الإبداع لأنه لا يمثل في نفسه.
وبعد أن ينتهي من النص يتفاجأ بوجوه كثيرة تدور أمامه بشكل حلزوني ـ تسمى القراء ـ كل وجه يسأل سؤالًا مختلف يريد أن يفهم ما كتب! فيشرح لهم بمعانٍ كثيرة، ليجد نفسه في النهاية يشرح المشروح فيصبح كلامه الذي كان سباقاً أشبه بلغة سماوية بقايا هباء ليس له قيمة لأن كلامه أصبح تافهاً جداً، واضحاً جداً مباشراً جداً.
(هذا ما نصنعه نحن: تتشتت أفكارنا بسبب الاهتمام بالآخر وبفهمه، والله في اعتقادي خلق كل البشر شعراء، هم لم يدركوا أن كلماتهم تبدأ بالتعبير الجياش الذي سيتحول إلى غناء يحمل موسيقاه الخاصة).
كيف تقرأ واقع القصة العربية اليوم في ظل هيمنة أجناس أدبية أخرى؟
عادل النعمي: هي لها جمهورها العريض، ولم يزل لها حضورها الطاغي، وإن كانت الرواية هي المتصدرة. فمهما تغيرت ذائقة الناس فالقصة جزء من تكوينهم الإنساني، وأنا أرى أنها الآن في أوج اكتمالها فنياً بعدما اندمجت ثقافة الشرق بالغرب.
هل بإمكانكم أن تتفضلوا علينا قليلاً، في المسار الذي قطعة نشوء رواياتك ومجموعاتك القصصية ومضامينها؟
عادل النعمي: حياتي أشبه بمراحلي القرائية التي كذلك صنعت منها كتبي، فمجموعتي القصصية الأولى (حروف على الماء) هي صور لشاب يبحث عن أدق اللحظات ليصنع منها عالم مدهش، وكتابي الذي يليه (أعطني صورة لتفهمني) هو عبارة عن غناء لمئات من قصائد الحب العباسية التي كنت أحفظها أردت أن أصوغ منها الحب في كلمات يتحدث بها الجميع. فكتبت كتاباً يحوي كل مواضيع الحب بأدق تفاصيله في رسائل من حبيب إلى حبيبته لتصلح لكل زمان ومكان. أما روايتي “التائه ” فهي حياة شاب بسيطة ظاهرياً، ولكن عمقها من الفلسفة الوجودية التي ستجبر قارئه على أن يتساءل من أنا وماذا أريد من الحياة.
وأخيرًا فجرت كل جنوني وعظمتي الداخلية في رواية “سيد الفوضى” طبيب نفسي عنده بوادر مرض الفصام يدرس الطب. يدخل السجن فتسوء حالته، وتخرج من داخله ثلاث شخصيات، كل شخصية تتصرف وتتحدث وتفكر بطريقة مختلفة لا يستطيع أن يسيطر عليها ، ولكن في السجن تتعرض حياته للخطر، فينضم لعصابة لتحافظ على حياته، وعندما يخرج من السجن يصبح سيد عالمه فهو يمتلك خبرة المجرمين وعقلية العلماء. حياته عبارة عن صراع يجعلك ترى وتفسر الحوادث بطريقة أخرى أيها القارئ.
فكل تفصيل في هذه الرواية له عمق فلسفي أو نفسي أو علمي أو تاريخي. كتبتها بأفخم معنى وأرق لفظ. بتصوير سينمائي أتقن تفاصيله كأني في عالم موازٍ. من قرأها لا يخرج بعدها بسلام!
حدّثني من وجهة نظرك ككاتب شابّ عن الأسس التي تدفع للمصادقة على تسمية النص روايةً، بصفتها المستوى الأصعب والأكثر تعقيدًا من بين المستويات السرديّة الأخرى؟
عادل النعمي: هناك ألف مصطلح في السرد. ومئات الطرق الأسلوبية لعرض أفكار الرواية، وعشرات الأدوات البلاغية في الكتابة، وكذلك تداخل الأجناس الأدبية مع النص، وعلى الكاتب أن يكتب بوعي وفق أسس الفن الروائي وفي نفس الوقت لا يكتب بتكلف!
الرواية هي سهلة جداً يستطيع فهمها الجميع! وكذلك كتابتها، ولكن القليل من يتقنها لأنها في أدنى مستوياتها هي حكاية تجري فيها الأحداث بتسلسل زمني، وكل إنسان باستطاعته أن يروي هذه الحكاية على صفحات الورق، ولكن من الصعوبة أن يصبح مبدعاً؛ لأن كتابة الرواية، لا يتعلق الأمر فيها بالموهبة لكن بالصبر في كتابة أدق التفاصيل ببراعة التقنيات التي يتقنها، وليست أي تفاصيل بل التفاصيل التي سوف تجعلك تقرأ ذلك النص من زاوية أخرى، وصناعة أفكار للنص تقدم فلسفة أخرى للحياة.
أنت تطلق مساحات ثقافية عبر حسابك على تويتر هلا حدثتني عنها، والهدف منها؟
عادل النعمي: سأكون صادقاً جداً، أنا أقرأ في هذا الفن منذ عشرين سنة، حتى أصبح ما أقرأه مكرراً، ليس فيه جديد، إلا الآراء الشخصية، أعرف الكثير وكأني أقف على كنز، ولكن لا يهمني أن اشاركه الناس كل ما يهمني أن أكون سعيداً وأمارس ما تبقى من حياتي في الخفاء، ولكن رأى لي صديق رؤيا، وأعده من الصالحين، رأى أني احفر القبور، وذهب وفسرها أني لدي علمًا أنفع به الناس.
وبصراحة لم تهمني كان ذلك قبل عشر سنوات. وأظن وليس مجرد ظن بل هو حقيقة أن المعنى لم يكتمل في داخلي الآن فقد اكتمل عندما خرجت من موت مؤكد لمرتين متتاليتين وفي كل مرة تحاصرني هذه الرؤيا.
فقلت لم يتبقّ من العمر الكثير، ماذا لو أمهلك الله لتعيش عاماً واحداً، ماذا كنت ستفعل يا عادل؟ فأجبت على نفسي بالتأكيد أني سأقوم بأجمل أعمالي، عمل متقن جداً.. ملهم جداً.. عبقري جداً.. فيه كل أجزاء من روحي وعقلي.
هذا ما أقوم به الآن، هذا عملي الأخير، هذه موسيقاي الأخيرة، ما أقوم به عمل مقدس.
أنا لا يهمني فيما أقدمه أن يفيد الكثير من الناس يكفيني أنه قد استفاد منه شخص واحد لا يعرفني استفاد منه وأثر به بشدة، سوف يقرأ كلامي هذا بالتحديد وأقول له بكل صراحة أنت المقصود فمرر هذ المعروف لغيرك مرره لشخص لا تعرفه يحتاجه بشدة مهما كان عظيمًا ومهما استغرق من الوقت.