“بريكس”.. المنظومة الاقتصادية العالمية الجديدة
✍د. علي بن حبيب اللواتي:
مجموعة “بريكس” هي تكتل اقتصادي برز خلال السنوات الأخيرة؛ حيث يضم خمس دول مؤسسة: روسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل، وتهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
وبريكس منظمة مؤثرة على الساحة الدولية، حيث تمثل دولها حوالي 42% من سكان العالم وتولي أهمية كبيرة للتنمية المستدامة والتجارة العادلة والعلاقات الدولية المتوازنة؛ حيث تؤمن بخلق شراكات استراتيجية اقتصادية متبادلة بين أعضائه. وتهدف بريكس إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين الدول الأعضاء وتعزيز التبادل التجاري والاستثمارات البينية والتمويل والثقافة والعلوم والتكنولوجيا. وتعقد الدول الأعضاء اجتماعات على مستوى القيادات باستمرار لمُناقشة القضايا الهامة؛ واجتماعات دورية متبادلة، ويتم اتخاذ القرارات بالمشاركة فلكل دولة صوت واحد، ولا يوجد حق النقض خاص بدولة محددة.
وتعتبر الصين وروسيا أكبر اقتصادين في المنظمة، بينما تعتبر البرازيل والهند وجنوب أفريقيا من الاقتصادات الناشئة والمتنامية بسرعة ملفتة.
ومجموعة بريكس تسعى لإرساء نظام مالي جديد، ولتعزيز هذه الرؤية أنشأت بنكًا باسم “بنك التنمية الجديد” ومقره الصين؛ ليكون الممول المالي البديل عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذين تسيطر عليهما أمريكا وبعض الدول الغربية.
والهدف من إنشاء البنك تمويل ومساعدة وتمكين أعضائه لتحقيق التنمية المستدامة المستمرة والدول النامية.
وقد تمت الموافقة في أغسطس 2023 على توسيع العضوية بقبول انضمام كل من السعودية والإمارات ومصر وأثيوبيا والأرجنتين وإيران؛ كمرحلة أولى لتوسعته؛ وستليها مراحل توسعة أخرى بقبول انضمام دول أخرى حسب ما أعلن عنه.
ومن الأهداف المعلنة؛ تنمية وتمكين الدول النامية وبالتالي تطوير نوعية جودة الحياة لمجتمعاتها من خلال التطوير لاقتصادها وقدراتها؛ وكذلك تبادل الخبرات الفنية في مجالات عدة.
ولتحقيق ذلك فإنها تقدم التمويل المالي اللازم لتنفيذ مختلف أنواع مشاريع البنية التحتية والتطوير وذلك بشروط ميسرة تتناسب مع قدرات الدول المستدينة؛ فتسهل عليهم عملية تسديد تلك القروض الميسرة؛ ليكون تسديد الالتزامات المالية بالعملات الوطنية بعيدا عن الدولار؛ هذه الطريقة بالدفع تحافظ على السيادة الوطنية للدولة المستدينة على قراراتها الداخلية والخارجية وهذا لدفع عجلة التنمية فيها والتغلب على عقد نقص التمويل اللازم؛ وكذلك تؤمن بريكس بتشجع كل أنواع التبادل التجاري بين أعضائها وكذلك الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية؛ وهذا التوجه سيقوي ويعزز المصالح المتبادلة المشتركة من دون التقليل من السيادة الوطنية؛ ويعتبر هذا التوجه إحدى قيم بريكس.
وللعلم أن النظام الحالي المالي الذي تسيطر عليه أمريكا من خلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهما الذراع المالي للنظام الأمريكي حيث يفرضان شروطاً قاسية تعتبر مجحفة في حق الدول المستدينة؛ كالفوائد المرتفعة؛ والالتزام بمواقف دولية؛ وهذا يعتبر تدخل في القرارات السيادية الوطنية للدول المستدينة؛ وكذلك بإلزامهم بتنفيذ وصفة مركبة للموافقة على منحهم القروض؛ كإلغاء الدعم تدريجبا بأشكاله عن (الغذاء والمشتقات النفطية والكهرباء والماء؛ والطبابه والتعليم وكذلك زيادة الرسوم وفرض أنواع متعددة من الضرائب مما يؤدي إلى زيادة الصعوبات المعيشية لحياة المجتمع.
ويمكن طرح السؤال التالي: هل يُمكن لعُمان الانضمام إلى بريكس مع الاستمرار في التعامل بالدولار عالميا؟ نعم يمكن؛ وهذا سيوفر لعمان نظامين ماليين يمكنها أن تتعامل بواسطة أحدهما مع من تشاء حسب مصلحتها.
وهل يعني أن منظومة بريكس ستكسر قوة الدولار عالميا؟ في الواقع الحالي لا يمكن كسر هيمنة الدولار لكونه متجذر في النظام المالي العالمي، خاصة وأن 60% من احتياطات أموال البنوك المركزية في العالم بالدولار الأمريكي، والكثير من الدول تحمل سندات الخزينة الأمريكية بمليارات الدولارات؛ والتعاملات التجارية على مستوى العالم تتم بالدولار عبر نظام سويفت الأمريكي للتحويلات المالية؛ وكذلك فإن معيار تقييم العملات عالمياً حاليًا مبني على قيمة سعر الدولار وتقلباته.
هل ستصدر بريكس عملة خاصة بها؟ إصدار عملة ليس بالموضوع السهل فنيًا، فمثلا دول الخليج ورغم تشابه منظوماتها الاقتصادية تقريبا وكذلك الاجتماعية، إلا أنها لم تقدر على إصدار عملة موحدة حتى اليوم.
أما دول الاتحاد الأوروبي تمكنت من إصدار عملة اليورو المشتركة؛ حيث تعيش في بقعة جغرافية واحدة؛ وهياكل اقتصادياتها وكذلك تركيبة مجتمعاتها متشابهة، ولتحقيق هدفها أصدرت حزمة من التشريعات والقوانين لتمكن هياكلها الاقتصادية من التمازج؛ لتوفر الدعم المالي لبعض دوله كاليونان؛ حيث كان الهدف تسهيل التجارة البينية بين دول الاتحاد الأوروبي اقتصاديا، وتسهيل عبور وبيع البضائع المنتجة في كل دول الاتحاد.
أما دول البريكس فتتكون من دول من كل القارات؛ حيث توجد اختلافات عميقة في هياكلها الاقتصادية ومنظوماتها الاجتماعية والثقافية؛ فعليه لا يمكن إصدار عملة موحدة للتبادل التجاري لأعضائه الآن.
كيف تستفيد عمان إذا قررت الانضمام إليها مستقبلا؟ عند بيع عمان شحنات من نفطها وغازها إلى الصين أو دولة أخرى في منظومة بريكس، وطلبت تسديد قيمته بالريال العماني، ماذا سيكون أثره على قيمة الريال حينها؟ إذا أرادت عمان شراء منتجات من أعضاء بريكس فإنها لن تسدد فاتورتها بالدولار، وقتها يمكنها أن تسدد التزاماتها بالريال العماني، وهذا الإجراء سيخفف الضغط على البنك المركزي العماني لتوفير تلك المبالغ بالدولار.
هناك أيضًا ميزة لعمان أن تحصل قروضاً من بنك بريكس بشروط ميسرة (فائدة أقل ومدة سداد أطول) لتقيم المشاريع وكذلك لتسديد القروض السابقة ذات التكلفة العالية (خدمة الديون).
إذا اتفقت عمان والصين من خلال بريكس على إنشاء منطقة صناعية كبرى لتصنيع المنتجات الصينية وتصديرها مستفيدة من موقع عمان الاستراتيجي؛ وذلك من خلال عقود (التصميم والتمويل والتشغيل) يتبعها التصدير عبر الموانئ العمانية، بالتأكيد ستكون هناك عدة مصالح لعمان، ملخصها: توفير وظائف متعددة ومختلفة للشباب العماني في المدينة الصناعية، وتشغيل الموانئ بارتفاع أعمال التصدير وما يصاحبها من تشغيل للمواطنين في مختلف أعمال الشحن والتصدير، وتوطين التكنولوجيا والخبرات، وتشغيل بقية القطاعات التجارية؛ تحريك القطاع السكني والتجاري، ومنافذ جديدة لتحصيل مزيد من الضرائب والرسوم، وتطوير البنية الأساسية لتواكب متطلبات المدينة الصناعية كاستحداث شوارع ومدارس ومجمعات ومستشفى وأسواق… إلخ.
إن عماننا تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي فريد؛ حيث تطل على عدة بحار وتتوسط ممرات مائية عالمية؛ وتتميز بروح شعب جميلة، وأحد أعمدة ركائز رؤية عمان 2040 الاستراتيجية يتمثل في تنويع مصادر الدخل، وبناء مدينة صناعية كبرى سيساهم بفعالية في تحقيق الرؤية.
إن إيجاد نظام مالي يقوم على الشراكة والتعاون وتبادل المنافع المرتبطة لأعضائه بتوزان واحترام يمكن اعتباره الطريق الأفضل للبشرية جمعاء.