سلمى الخضراء الجيوسي.. نضال فلسطيني بالشعر والأدب

إعداد/ د. وسيلة محمود الحلبي : 

تعد الأديبة الشاعرة والباحثة والناقدة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي سيدة دائبة الطموح ذات حلم عالٍ بصنع لحظة إنسانية تغتني بتعدد شخصياتها الثقافية الجامعة، إذ ثمة أبواب انفتحت أمامها بدءاً من الشعر إلى التعليم، إلى النقد فالترجمة والأعمال الموسوعية الضخمة التي لم تكن لتنضج إلا بسبب إصرارها ونبل مقاصدها ووعيها الثقافي والحضاري لدور جعل منها مؤسسة قائمة بذاتها، وبفضل تضافر أدواتها ومنهجيتها الصارمة، لتبني مشروعاً حضارياً وثقافياً وإنسانياً بعلامات فارقة واتجاهات معرفية وجمالية خلاقة، تعزز ذائقتها الحساسة، وهي التي تجاوزت مشروعها الشعري قليلاً لتمنح وقتها لإنجازات مختلفة ومتعددة، بما يفيض بذلك الثراء المعرفي اللافت على ذاكرة غنية بالرغم من وصولها للثمانين من عمرها، وهاجسها الأبرز هو الثقافة العربية وإرثها العظيم، وصورة تلك الثقافة بمنجزاتها وأعلامها ومبدعيها لدى الآخر الغربي، كسراً للغياب والتهميش.
سلمى الخضراء الجيوسي علم من أعلام الثقافة العربية المعاصرة، أديبة وشاعرة وناقدة ومترجمة أكاديمية فلسطينية. ولدت عام 1928 من أب فلسطيني وأم لبنانية في السلط شرقي الأردن. ترعرعت في مدينة عكا وفي القدس. نشأت في فلسطين، بعد نكبة 48 عاشت في الأردن. درست الثانوية في كلية شميت الألمانية بالقدس، ثم درست الأدبين العربي والإنكليزي في الجامعة الأميركية في بيروت وحصلت على درجة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة لندن.
وأقامت في عدد من البلدان العربية والأوروبية، ودرَّست في جامعات الخرطوم والجزائر وقسنطينة، ثم سافرت إلى أميركا لتدرّس في جامعاتها إلى أن أسست عام 1980 مشروع “بروتا” لنقل الأدب والثقافة العربية إلى العالم الأنغلوسكسوني، وقد أنتجت “بروتا” الموسوعات، وكتبا في الحضارة العربية الإسلامية، وروايات، ومسرحيات، وسيراً شعبية ،وغيرها. نشرت شعرها في العديد من المجلات العربية. ولها ديوان وحيد مطبوع: “العودة من النبع الحالم” 1960.الا انها بعد نكبة عام 1948 واحتلال اليهود لفلسطين واغلب مدنها ارتحلت إلى الأردن وعاشت فيه ، وبدأت كتابة الشطر الشعري حين كانت في روما. ولما نقل زوجها إلى بغداد كان صيتها كشاعرة قد سبقها إلى بغداد. وبعد ثورة 1958 في العراق عادت العائلة إلى عمان فجددت سلمى اتصالها بالحركة الأدبية العربية وأصدرت ديوانها (العودة من النبع الحالم).
تقول في إحدى قصائدها المنثورة:
حبيبة قلبي
رأيتك، قلت: هنا الوجد
قلت: لها رونق البدرْ
وعينان حالمتان
وعنقٌ كعنق الغزال
وخصر مريض (تمنيت أطويه بالحب )
ونهدان رمَّانتانِ
وشعر تموج كالبحر
أرخت عليّ الهوى غدائره السابحاتْ
………………
حبيبة قلبيَ ما أطيب الحب!
أصبحت ملكي
فشهد ودفء وريّ حلال
وما أطيب الحب!
ما كنت أعلم ….
الحب يغري ويعمي.
ثم درست الأدب العربي والأدب الانكليزي في الجامعة الأمريكية في (بيروت ) وحصلت على درجة الدكتوراة في الأدب العربي من ( جامعة لندن ) ثم عملت كاتبة في الصحافة والإذاعة . وسافرت مع زوجها إلى عدد من البلدان العربية والأوربية، ثم سافرت إلى (أمريكا) فدرّست الأدب العربي في عدد من جامعاتها إلى أن أسست عام 1980 مشروع (بروتا )
وهو مشروع ترجمة ونقل الثقافة والأدب العربي إلى الإنكليزية واللغات الحية ) لنقل الأدب والثقافة العربية إلى العالم الأنكلوسكسوني، وقد أنتجت (بروتا) الموسوعات الواسعة وفي الثقافة والأدب وكتبا في الحضارة العربية الإسلامية، وروايات، ومسرحيات، وسيراً شعبية ،وغيرها. وقد أقدمت على هذا المشروع العظيم بعد أن هالها مقدار التجاهل والإهمال الذي يلقاه الأدب العربي والثقافة العربية في العالم.
وعملت مديرة لمؤسسة (بروتا) التي أنشأتها عام 1980 لنشر الثقافة والأدب العربيين في العالم الناطق بالإنجليزية. واستمرت بالتنقل والإقامة بين (لندن) و(أمريكا ) ومتابعة مشروعاتها الثقافية عبر ( بروتا ) وعبر محاضراتها في عدد من المحافل والهيئات الثقافية العربية والعالمية ونشرت شعرها في العديد من المجلات العربية. دواوينها الشعرية (العودة من النبع الحالم)
ومن شعرها هذه السطور تقول:
أعبرنا الحدودْ؟
قد عبرنا. أيعلم عشّاقنا كم صلاة تلونا؟
وكيف استطالت إلى الضوء أشواقُنا؟
كم هدمنا على دربنا من سدودْ؟
نحن جُزنا الحدود إلى عالمِ
لا ينام به العاشقونْ
وعبرنا السياجاتِ من نبعنا الحالمِ
حيث كان هوانا الرضا والسكونْ
ودخلنا إلى منبع النارِ
أشرفت سلمى الجيوسي على تحرير السيرة الشعبية الشهيرة (سيف بن ذي يزن) التي ترجمتها وأعدّتها لينة الجيوسي وصدرت عن دار جامعة إنديانا (1996). ونتيجة لهذه الدراسة خطّطت لإعداد كتاب شامل عن الثقافة واللغة والأدب في عصر ما قبل الإسلام وعقدت لهذا الكتاب ورشتي عمل في معهد الدراسات العليا في(برلين) في صيف 1995.
وعملت سلمى الخضراء الجيوسي منذ عام 1989 على أنطولوجيا جديدة للشعر العربي بالإنجليزية بعنوان (شعراء نهاية القرن)، كما أعدت مجموعتين من المقالات النقدية بالعربية والإنجليزية ، وقد بدأت منذ عام 1993 مشروعاً شاملاً لدراسة الأدب والثقافة في دول المغرب العربي: (الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا،) وأقامت لهذا المشروع مؤتمراً كبيراً في طنجة عام 1995.
وقد دعيت إلى معهد الدراسات العالية في(برلين) فأمضت عام 1994 – 1995 فيه حيث أجرت دراسة عن تاريخ تقنيات الشعر العربي من عهد ما قبل الإسلام حتى الوقت الحاضر. وصدر لها موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر .ولها عدد كبير من الدراسات والمقالات النقدية المنشورة في عدد من الصحف العربية والأجنبية، وحضرت عددا من المؤتمرات والندوات وشاركت فيها ببحوث متميزة. وعضو الهيئة الاستشارية لشبكة مرايا. ومن أهم أعمالها الأدبية: العود من النبع الحالم ديوان شعر الشعر العربي الحديث أدب الجزيرة العربية ، الأدب الفلسطيني الحديث؛ المسرح العربي الحديث، القصة العربية الحديثة، المسرح العربي الحديث سيف بن ذي يزن ، شعراء نهاية القرن ، موسوعة تراث إسبانيا المسلمة الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث في جزأين وحصلت على عدد من الزمالات من الجامعات الأمريكية، حصلت على عدد من الاوسمة منها: وسام القدس للإنجاز الأدبي ، . وسام اتحاد المرأة الفلسطينية الأمريكية للخدمة الوطنية المتفوقة.
آفاق المغامرة
هكذا ولجت عالم الشعر مكتفية، لتنشر في المجلات الرئيسية كالآداب والشعر، ليصدر ديوانها الأول عام 1960 بعنوان «العودة من النبع الحالم» وفيه تجلت تجاربها الشعرية الأولى وسعيها للقبض على فنون الشعر، مقارِبةً تقنيات معينة، رغم تجليات «الغنائية» واندفاع حماستها، لتؤرخ لقضية عصرها – القضية الفلسطينية
– تقول في قصيدة عنوانها «فداء»:
تباركت الأرض.. أرض الجدود
وأرض السنابل والأقحوان
وأرض الأغاني وأرض الرزايا
وأرض البسالة والعنفوان
ألا تنظرون طيوف الضحايا
ألا تفزعون لغمر المنايا
كزّخ المطر
يصبّ على زفرات البشر…؟
ألا تسمعون نداء اللحوح الأمر
تبارك ذلك النداء وحق الفداء وبورك كفّ القدر
ولكن عدوان حزيران حال دون نشر ديوانها الثاني «عرّاف الرياح» فأدركت أن العالم تغيّر بعد الحرب، ولعل تلك المتغيرات حملتها على العزوف عن الشعر، لتذهب في مغامرة أخرى، مغامرة معرفية بامتياز، مؤسّسة على وعي إدراك جهل الغرب بالثقافة العربية، وبالمقابل ضعف الثقافة العربية هناك، لتبدأ مشروعها عام 1980 لنقل الثقافة العربية الإسلامية إلى العالم الناطق بالإنكليزية.
وشعرها كما وصفه الناقدون به نور يشعّ فيتمدّد ليغمر زوايا الذاكرة. تجلّي قصائد ها حرَفيّة عالية في إدارة فنّ القول؛ وتتبع نسق معينا وبنية خاصة ونظاما وتَحْرِفُهُ جملةً وصورةً شعر سلمى الجيّوسي، على قلّته ـ والتي نظمته في مرحلة مبكّرة من عمرها؛ يزوّدنا بمفاتيح الجماليّة التي كانت سائدة عند أبرز شعراء الحداثة في ستينات القرن العشرين
تقول: ـ وحذرتها آه حذّرتها، قلت جاعوا فكان المطرْ
وقد حصدوا بالمجاعة شوكَ الطريق
أنا اخترت أنشوطتي
وحملتُ ضميري إلى المحرقة
وأكذوبة للرياح رويتُ
أتتني العصافيرُ تروي حكايايَ للزنبقة
ولمّا رأيتُ الجناحَ بكيتُ.
لم تنشر سلمى الجيوسي بعد ديوانها الأول إلا القليل مما كتبته بعد صدور ديوانها ومنه قصيدة بعنوان “أعبرنا الحدود”?
قد عبرنا. أيعلم عشاقنا
كم صلاة تلونا ?, وكيف استطالت إلى الضوء أشواقُنا?
كم هدمنا على دربنا من سدود ?
نحن جُزنا الحدود إلى عالم
لا ينام به العاشقون
وعبرنا السياجات من نبعنا الحالم
حيث كان هوانا الرضا والسكون
ودخلنا إلى منبع النار
ماتت براءة أحلامنا
واستبدَّ بنا الساهرون .

وتقول في إحدى القصائد:
تغوص سفينتي في البحر، تغرقُ لا أنجّيها
صقيع الليل، يا ويلي يكدِّس ثلجه فيها
فلا تقرب…..أنا الموت الذي يغشى
ذرى الأعماق، لا تقرب
أنا الموت الذي تخشى
أنا الحزن القديم ،أنا ارتعاش الخوف والعار
أما جاءتك أخباري?
صقيع الليل مد جذوره عندي
وعشّش في شِغاف القلب
من ينجيك من بردي ?
أحبك ? أمس أحببنا
تقاسمنا جنون الدفء، غامرنا وأخصبنا
ولما هاجت الأنواء، كنت أمامها وحدي
تغور سفينتي في البحر، تغرق، لا أنجّيها
صقيع البحر والذروات يحضنها ويطويها
وكم قاومت من شغف لأدفن جذوتي فيها
تحاول جذوةً قُتِلتْ ?
أما جاءتك أخباري ?
أنا موت على الذروات، في الأعماق
أغسل صفعة العار
أنا الموت الذي أهوى
وفي الميدان أشباح
وفي الشارع أشباح، وفي المقهى
أنا وحدي التي أحيا
طوتني دون هذا العالم المحموم أرياح
ومزقني نقاء الثلج، هل جاءتك أخباري ?
أنا وحدي التي أحيا
فإني مت بالأمس
ضباب الليل لف بصمته رأسي
غَشَتْني لُجّة النسيان تشفي الطعنة الخرساء في نفسي
أفيض نقاوةً في الموت
هل جاءتك أخباري ?
أنا أم، أنا أنثى بلا حب
وأمس قضيت من عاري
بلا قلب، بلا وطن ، بلا دار
بعيدا دون أستاري
تطاول غربة الأعماق ?
حاذر كشف أسراري
ستبصر رعبك المكتوم… في قلبي.

“يتبع”

Related Articles

Back to top button