الإعــــذار

✍️عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون : 

هذا مثل طريف فيه فوائد تنصرف إلى الكثير من شؤوننا الحياتية البسيطة والتي تسبب الضيق الكبير الذي يمتد إلى فترة من الزمن تنعكس آثارها على الكثير من الناس….
دخل على بعض الحكماء صديق له فقدم إليه طعاما.
فخرجت امرأة الحكيم، وكانت سيئة الخلق.
فرفعت المائدة وأقبلت على شتم الحكيم.
فخرج الصديق مغضبا، فتبعه الحكيم وقال له : تذكر يوم كنا في منزلك نطعم فسقطت دجاجة على المائدة فأفسدت ما عليها فلم يغضب منا أحد….؟
قال: نعم.
قال: فاحسب إن هذه مثل تلك الدجاجة.
فسرى عن الرجل غضبه وانصرف وقال: صدق الحكيم.
تجول في ذاكرة مواقفك اليومية والتي يمكن بسهولة أن تضع لها ما يسري عنك الهم وينفي الغم، فإذا أوقف أحدهم سيارته في الطريق حاجزا على سيارتك لبضع دقائق فاحمد الله أن هذا التأخير لم يكن لعطل في السيارة، ولعل هذه الدقائق يمكن تحملها والتغاضي عنها بشيء بسيط من الصبر، وتدارك هذا الوقت بشغله بتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد، أو قراءة أو اتصال وتواصل.
قال شريح: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات وأشكره، إذ لم تكن أعظم مما هي، وإذ رزقني الصبر عليها، وإذ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب، وإذ لم يجعلها في ديني.
والأولون ينكرون على إخوانهم الذنوب، ويألمون لجنوح أنفسهم إليها، ويبغضون فعلهم لها، ويوجه الناصحون إلى الاعتدال في ذلك ومراعاة الأوبة وتسهيل السبيل لها.
يقول إبراهيـم النخعي رحمه الله: لا تقطع أخاك ولا تهجره عند الذنب يذنبه فإنه يرتكبه اليوم ويتركه غدا.
والبعض لا يهتم لخطئه، ويجب أن يعاود عليه بالنصح.
ومن المهم أن نتيقن أن المرء سيخطأ، فإذا أخطأ فلماذا نؤذي أخانا على شيء متوقع منه، وإذا كان أحدنا سهل مع الآخرين كانوا معه كذلك، فهي زلة وسيتركها غدا، خصوصا إن لم يكن معروفا بها.
ويهمس الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه كلمات في مسامعنا فيقول: إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك، فـإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى.
قال الشاعر:
من ذا الذي ترضي سجاياه كلها
. كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه
فإذا تنور القلب بنور الإيمان شع منه ذلك النور فلا يرى إلا الجوانب الحسنة، فأخوك قد سبقت منه اللفتات الطيبة الكثيرة فلنحمل ما عمل على المحمل الطيب، فإذا وجد ما يبرر أن فعله كان بالقصد السيء فكذلك مبرر القصد الحسن موجود، فلتكن الغلبة لهاجس الخير في نفوسنا لا للصورة التي تم بها الفعل.
قال الشاعر:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد
. جاءت محاسنه بألف شفيع
وقال الآخر:
فإن يكن الفعل الذي ساء واحدا
. فأفعاله اللائي سررن ألوف
وهذا من التواصي والتناصح الذي يحرص المسلم على أن يقدمه لأخيه المسلم، والذي تظهر به إحدى مقومات العلاقات الصالحة في المجتمع السوي المبني على التعاون على البر والتقوى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى