أستاذ الأديان والحوار د.كمال بريقع: حرق نسخ القرآن الكريم في السويد برعاية حكومية عمل عنصري لا يمت لحرية التعبير بصلة والتسمية الصحيحة هي تعبير عن الكراهية تجاه الإسلام
قال الدكتور كمال بريقع عبدالسلام، منسق عام مركز حوار الأديان السابق بالأزهر، الشريف وزميل مركز الملك عبدالله الدولي لحوار الأديان والثقافات، إن حرق نسخ من القرآن الكريم في السويد وبرعاية من الحكومة السويدية عمل عنصري لا يمت لحرية التعبير بصلة والتسمية الصحيحة هي تعبير عن الكراهية تجاه الإسلام والمسلمين وهذا هو التوصيف الصحيح لهذه الجريمة هي جريمة كراهية ينبغي أن يعاقب مرتكبوها طبقا للقانون الدولي الذي يعاقب علي على نشر الأفكار التي تقوم على التفوق أو الكراهية العنصرية أو التحريض على التفرقة العنصرية .
وأضاف أن حرية التعبير حق من الحقوق الأساسية التي ينبغي أن يتمتع بها الإنسان والتي يدافع عنها العقلاء والحكماء في كل مكان ولكن هي الحرية المنضبطة التي تنتهي عند حدود حرية الآخرين ، وقد أكد القرآن في أكثر من موضع علي حق الإنسان في اختيار العقيدة التي تريح قلبه وعقله وضميره دون إكراه أو إجبار ، وأنه لا يجوز السخرية والاستهزاء بهذا المعتقد الذي يرتضيه المرء لنفسه ، كما أحد علي حق الإنسان في ممارسة المعتقد الذي يؤمن أنه يقوده إلي الطريق الصحيح؛ طريق النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة ، وهي الحرية التي يحكمها العقل الذي يميز الإنسان عن سائر المخلوقات والذي أصبح بموجبه مكلفًا ومسؤولًا عن أفعاله واختياراته في هذه الحياة ، ولكن عندما تكون حرية التعبير وسيلة للسخرية من مقدسات أتباع الديانات الاخري ومعتقداتهم والاستهزاء بهم واستفزاز مشاعرهم وإهانة مقدساتهم والتمييز ضدهم تصبح في هذه الحالة جريمة ينبغي أن يعاقب عليها القانون ، ما حدث في السويد ويحدث في بعض الدول الغربية من وقت لآخر من افعال تنم عن كراهية الإسلام والمسلمين خاصة من اليمين المتطرف قد ينذر بحدوث انقسام بين طوائف المجتمعات الغربية والتي يعيش فيها أكثر من 50 مليون مسلم في حال تكراره واصرار الحكومات علي انتهاج تلك السياسات التي أقل ما يمكن أن توصف به بأنها سياسات غير مسئولة يعطي ذريعة لجماعات العنف لارتكاب مزيد من الجرائم في حق المسالمين والأبرياء ، وذلك فضلا عن استفزاز مشاعر ما يزيد عن 1.8 مليار مسلم يعيشون في دول متفرقة حول العالم ويعيش بينهم العديد من أتباع الديانات والطوائف المختلفة ويتمتعون بكافة الحقوق والواجبات دون تمييز ضدهم علي أسس المعتقد أو الدين أو العرق. واتذكر في عام 2006 حين نشرت الصحف الغربية خبر حبس المؤرخ البريطاني ديفيد ايرفنج ثلاث سنوات بتهمة انكار الهولوكوست اثناء زيارته للنمسا في عام 1989 وذلك في حوارين مختلفين واصفًا ان حكايات حرق اليهود في غرف الغاز حكايات خرافيه ، دار حوار بيني وبين أحد أساتذة اللاهوت في جامعة برمنجهام وقلت له متسائلًا: أين هذا الحكم الذي صدر ضد هذا الرجل من قيم حرية التعبير التي يتغني بها الغرب؟ وقد كانت إجابته صادمة بالنسبة لي لأنني كنت أعتقد وقتها أن كثير من الأساتذة يتمتعون بالنزاهة والحياد العلمي عند مناقشة مثل هذه القضايا ، قال: إن الحكم الصادر بحقه بسبب أنه غير متخصص في التاريخ وتكلم في مسألة تاريخيه لا تدخل في نطاق تخصصه، قلت له لقد تراجع الرجل عن رأيه بغض النظر عن مسألة التخصص ، وقال إنه أصبح يصدق أن هتلر أعدم ملايين من اليهود في غرف الغاز وأعرب عن أسفه واعتذاره عن رأيه السابق ومع ذلك تم إيداعه في السجن لأن هيئة المحلفين اعتبرت اعتذاره أسلوبًا تكتيكيا للهروب من العقوبة ، فسكت الرجل ولم يرد ، وأنهيت حديثي معه أن ذلك يكشف عن سياسات الغرب التي تكيل بمكيالين وأن هناك تمييز كبير بين معاملة القصايا التي تخص المسلمين وأتباع الديانات الأخري علي الأقل في التناول الإعلامي وتعاطيه مع مثل هذه القضايا، وأننا جميعا نعرف أن هناك قوانين غربية مثل قانون معاداة السامية هي السبب في حبس ديفيد ايرفينج وأن اللوبي اليهودي المتغلغل في معظم المؤسسات في الغرب لم ولن يتقبل المساس بما يعتبره حقائق تاريخيه شبه مقدسة ، لابد أن يعترف بها الجميع رغما عنهم وإلا فتهمة معاداة السامية جاهزة لوضعهم تحت طائلة القانون، كان هذا الحوار وقتها متزامنًا مع نشر الرسوم الدانماركية المسيئة للمسلمين وكانت القنوات الإعلامية في الغرب تدافع عن نشرها بنفس الحجة الواهية حرية التعبير ، وعلي الرغم من رفض بريطانيا آنذاك إعادة نشرها مثل ما فعلت بعض الصحف في دول اخري،
لا بد من تجريم هذا التحيز تجاه الإسلام والمسلمين ولا بد أن يعمل المسلمون في الغرب علي تحقيق الاحترام المتبادل بينهم وبين أتباع الديانات الاخري وأن يكون لهم وزن سياسي واجتماعي واقتصادي وخاصة في القضايا التي تتعلق بالشأن العام وتمس حقوقهم الدينية والثقافية ، مع ترسيخ الحوار القائم علي المساواة بين الطرفين والأخذ في الاعتبار أن هذا هو الطريق الصحيح نحو بناء مجتمعات متماسكة تصبح التعددية فيها هي القاعدة ، والمساواة هي الشعار ، وحقوق الإنسان مضمونة للجميع دون تفريق بين أتباع ديانة وأخري ، ولن يتحقق هذا إلا من خلال ترسيخ أسس المواطنة الصحيحة بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى وأن يقفوا معهم علي قدم المساواة ، وأن يكون هناك حوارا مخلصا يسعي لتحقيق العيش المشترك وخلق مجتمعات آمنة ، بعيدا عن تحقيق اجندات خفية أو الانزلاق نحو دعوات مشبوهة تحت أي مسمي من الممكن أن تهدد هويات الشعوب الدينية أو الثقافية وذلك في ظل انتشار العولمة التي جعلت العالم أشبه بالقرية صغيرة، وهذا يستلزم الحفاظ علي الهوية الدينية وحمايتها من خطر الذوبان فالاختلاف سنة كونية فطر الله الناس عليها .