بديهة أبي جعفر المنصور

✍️عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

من الأمثال الدارجة عندنا (الحر تكفيه الإشارة)، والإشارة الصحيحة تغني عن الكثير من المقال وبيان الحال، وهذا يحتاج إلى تحديد هدف المرسل، وإلى دقة فهم المستلم.
قال المدائني: لما حج أبو جعفر المنصور قال للربيع: أبغني فتى من أهل المدينة أديباً ظريفاً عالماً بقديم ديارها، ورسوم آثارها، فقد بعد عهدي بديار قومي، أريد الوقوف عليها.
فالتمس له الربيع فتى من أعلم الناس بالمدينة، وأعرفهم بظريف الأخبار وشريف الأشعار، فعجب المنصور منه، وكان يسايره أحسن مسايره، ويحاضره أزين محاضرة، ولا يبتدئه بخطاب إلا على وجه الجواب، فإذا سأله أتى بأوضح دلاله، وأفصح مقالة، فأعجب به المنصور غاية الإعجاب، وقال للربيع: ادفع إليه عشرة آلاف درهم.
وكان الفتى مملقاً مضطراً، فتشاغل الربيع عنه واضطرته الحاجة إلى الاقتضاء، فاجتاز مع المنصور بدار عاتكة فقال: يا أمير المؤمنين؛ هذا بيت عاتكة بنت يزيد بن معاوية الذي يقول فيه الأحوص بن محمد:- 

يا بيت عاتكة الذي أتعزل
حذر العدا وبه الفؤاد موكّل

فقال المنصور: ما هاج منه ما ليس هو طبعه، من أن يُخبر بما لم يُستخبر عنه، ويجيب بما لم يسأل عنه…؟ ثم أقبل يردد أبيات القصيدة في نفسه إلى أن بلغ إلى آخرها وهو:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم
مذق اللسان يقول ما لا يفعل
فدعا بالربيع وقال له: هل دفعت للمدني ما أمرنا له به…؟
فقال: أخرته علة كذا يا أمير المؤمنين.
قال: أضعفها له وعجلها.
وهذا أحسن إفهام من الفتى، وأدق فهم من المنصور.

Related Articles

Back to top button