فعلا لا شيء متروكاً للمصادفة في #السعودية

✍️ سعود الثبيتي – جدة :-

• الذكاء الاصطناعي حاضر في الفرز والتفتيش وخدمات الترجمة والإرشاد الإلكتروني
• استنفار طبي لعشرات المستشفيات الميدانية والعيادات والإسعاف الجوي في المشاعر المقدسة
• 9 محطات للقطار الكهربائي في المشاعر المقدسة وأجهزة الروبوت توجه الحجاج بـ 11 لغة
• مكة المكرمة كتلة عمرانية متجددة ومبانٍ تضم آلاف الوحدات السكنية تسهيلاً على الحجاج
• أكثر من 14 ألف عامل و5 آلاف متطوع و9 آلاف عربة لخدمة كبار السن
• 30 ألف نقطة لتوزيع أكثر من مليوني عبوة مياه زمزم يومياً

كل شيء هنا في الأراضي المقدسة، أدقه وتفاصيله، يؤكد أن الحكومة في المملكة العربية السعودية لم تترك شيئا للمصادفة، وأنها حاصرت الاستثناءات والمفاجآت بسيل من الاستعدادات ذات قدرة سريعة، على توجيه الأمور كما يجب، فيسلك الحجاج مسالكهم في انسيابية، من دون منغصات، تلهج ألسنتهم بذكر الرحمن، والتهليل والتكبير.

حطت طائرة تحمل على متنها عشرات من الحجاج، في وقت هبوطها وقبلها، مدارج المطار تتدحرج عليها إطارات أسراب أخرى من الناقلات الجوية من كل حدب وصوب …من يشهد هذه الأساطيل الطائرة، ويسمع أزيزها يظن أن الدنيا ضاقت بأهلها، فلا حراك ولا روحة ومجيئة…فكيف بهذه الآلاف البشرية المتدفقة، و98 طائرة في الآن نفسه، أن تستوعبها أرض مطار الملك عبدالعزيز الدولي الذي تبلغ مساحته 19 كيلومترا مربعا؟

سؤال يسود النفس، ويتسيد الذهن في وهلة المشهد الأولى، غير أن هذه أضغاث أوهام واهية، ووساوس زائلة…فحافلات متحفزة، سرعان ما ظهرت، تسابق مشرفوها والعاملون فيها إلى نقل هذه المجاميع القادمة، لا ضيق ولا تأفف، يزيدهم طيبا وكرما، برنامج «ريادة ووفادة»، ومبادرة «حفاوة»، أعضاؤهما يرحبون ويسهلون، وأياديهم ممتدة إلى هدايا ينثرونها على من يلتقون.

ولا يكاد المرء يصدق عينيه، انتهت الإجراءات وختمت الجوازات بسرعة قصوى، وبتقنية الذكاء الاصطناعي تراقب مسارات الفرز والتفتيش، ومن أتم ذلك، يبادرك بالقول:«نورتنا، سامحنا على القصور»، أي تقصير، بل هو الكمال بعينه، فهذه السرعة، لم تنبع من فراغ، فأكثر من 220 منصة خدمة في المطار، وما يزيد على 100 منصة جوازات، وحدث ولا حرج عن أجهزة الخدمة الذاتية، و50 بوابة دخول وخروج، وجسور من يمين ويسار، وغرب وشرق، كلها، جعلت حجاج بيت الله، في دربهم سريعا من جدة إلى مكة المكرمة، وإن ابتغيت الأسرع فلك القطار السريع، ففيه صدق من قال:«تمتع بالرحلة، ودع لنا القيادة».

هذه مشارف البيت الحرام، «الله اكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله… الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد»، تصدح في البقعة المباركة، هيبة إيمانية، وأحاسيس روحانية، تملأ القلوب، وتطغى على النفوس، عباد الله تفرغوا لها، فلا شيء يشغلهم أو يعرقلهم عن هذا، رغم أن القادمين في عامنا هذا، تجاوزوا المليونين، فلا موانع «كورونا»، ولا قيود سفر، ولا ضوابط وشروط… في مقابل، أكثر من 14 ألف عامل، تراهم في كل ركن وزاوية، عبر «ورديات» متتابعة، ما انفك أمرهم، عن تنظيف أو حمل أو توفير ما يريده الحاج، بل لا مبالغة، «ما يفكر فيه الحاج أو يبتغيه»، ليسوا هؤلاء فحسب، فرئاسة الحرمين الشريفين احتضنت ما زاد على 5 آلاف متطوع من الشباب، توزعوا على 51 مجالا متطوعا، يصوبون نحو أكثر 400 ألف ساعة تطوعية، خلال موسم الحج.

على بعد من هنا، وعلى قرب من هناك، مجموعات من دول أجنبية، وأخرى من أقطار لا تنطق بالحروف العربية، أفريقية وآسيوية وأوروبية وأميركية ليسوا بحاجة إلى التفاهم بالإشارة، ولا شعور بأن اللغة هنا معضلة، ففي المسجد الحرام وحده 49 نقطة موزعة في مواقع عدة تقدم خدمات الترجمة والإرشاد الإلكتروني عبر 51 لغة عالمية ومثل هذا 23 نقطة في المسجد النبوي في المدينة المنورة، وإن لم تكتف وأردت مزيدا، فأجهزة الروبوت في المداخل الرئيسية من صحن المطاف، توجه الحجاج، بـ 11 لغة.

من بين هؤلاء، وآلاف غيرهم، كبار سن لا يقدرون على مشي، وذوو حاجات لا يقوون حركة، لن يضيرهم ضعف أجسادهم وهوان صحتهم، فلهم خدمة خاصة اسمها خدمة كبار السن وذوي الإعاقة، وفرت 9 آلاف عربة عملها على مدار الساعة، فقط احجزها من خلال تطبيق «تنقل»، لتأتي إليك عند موقع قدميك.

أما إذا نطقت الأرقام، فهي ستبوح، بأن المستشفيات في مكة فاق عددها الـ 50، والمراكز الصحية 160، والسعة السريرية ليس أقل من الـ 10 آلاف، وتلك الخاصة بالعناية المركزية إجماليه عدد من الأصفار الثلاثة، وكذلك المحددة لمصابي ضربات الشمس، أما الكوادر البشرية من أطباء وممرضين ومسعفين، فهم يربون على الـ 40 ألفا.

والصورة لا تنتهي إلى هذا فحسب، فهي متعددة الشخوص، مفعمة الحديث، مليئة الخدمة، حبلى بالسخاء، أريحية العطاء، فنقاط على الطرقات الداخلية انبرى فيها شبان يوجهون الحجيج إلى أن يتزودوا بوجبات الطعام ومن خيرات الله، ومثلهم عبر 30 ألف نقطة، يوزعون أعلى من مليوني عبوة من مياه زمزم يوميا.

أما خارج بيت الله الحرام، وبعيدا عن مواقع للصلاة، فعلى مقربة منه، ما يثير الدهشة، ويفرض الشكر والتقدير لمن عمل ونفذ، لا يلحظ المرء توقف مسير، وتعطل حركة زمنا طويلا، رغم أن الأعداد غفيرة، والتدفقات حاشدة، فحافلات النقل الترددي سريعة في تحميل من يبتغيها، وإن فاتك واحدة منها، فغيرها 24 ألف حافلة تجوب ذهابا وإيابا، فلا تقلق من تأخير، ولا تحمل هم وصول، زاد المشهد جمالا، قطار المشاعر المقدسة الكهربائي، هنا في المملكة، حرصوا على أن يجعلوه صديقا للبيئة، ونشروا له 9 محطات قادرة على طاقة تشغيلية، تقل 72 ألف راكب في الساعة الواحدة فقط.

أما في مهابة البيت الحرام فتبدو أدوار مبنى المطاف متأهبة لالتقاء نفوس مليونية، حاضر لتجاوز مخاوف تدافع أو تزاحم، فالمقام متهيئ لطواف القدوم والإفاضة والوداع بمواقيت وأعداد تضمن السلامة وتبعث إلى الطمأنينة، وتكفل الإحساس بحلاوة العبادة، وهكذا هو المشهد في الصفا والمروة ورمي الجمرات.

وعلى ضفة أخرى من الأراضي المقدسة العامرة، في مشعر منى، مساحات مباركة ممتدة، احتضنت مدينة خيام لا مثيل لها عالميا، على أرض تجاوزت المليوني متر مربع، تحظى بمنظومات وتجهيزات لوجستية صحية وأمنية ومدنية، أقلها، أن هذه الخيام مطورة ومصنوعة من الأنسجة المغطاة بمادة مقاومة للحرارة العالية والاشتعال، فضلا عن أن الموقع، على أهبة خدمته، 30 ألف رشاش لمكافحة الحرائق، و3 آلاف كاميرا مراقبة، و12 ألف سماعة للإرشاد والتنبيه، و15 ألف وحدة تكييف وتهوية، وفقا لما قاله مسؤولون سعوديون.

أما ملتقى الحج الأكبر، مشاعر عرفات، فله من الحكاية المتسع، فلا يكاد مربع فيه يخلو من مستشفى ميداني أو مركز صحي أو عيادة وطائرات مروحية للإسعاف الجوي، وفرق للدفاع المدني، كل شيء حاضر لك أيها الحاج، أنت تفرغ فقط للدعاء والعبادة، في حين امتلأت أجواء هذا المشعر المقدس برذاذ مائي مصدره ما لا يعد من مراوح اجتهدت لتقليل حالات الإجهاد وضربات الحرارة.

الأراضي المقدسة، ليست هي وحدها موقع التطوير والحداثة في التجهيزات لخدمة ضيوف الرحمن، فمكة المكرمة كلها هي منبع تسارع البناء والإنشاء، فلا تأتيها اليوم، إلا رأيتها غدا أحدث مما بصرت، فمسار مكة متواصل.

وفي توسعة الطرقات، وشق شوارع فسيحة، اختصرت المسافة من طريق الملك عبدالعزيز للحرم، إلى أقل من 550 مترا، في وقت أن حركة السيارات لن تتقاطع مع مداخل المدينة المقدسة، لتشكل امتدادا طبيعيا لساحات الحرم المكي.

يؤازر ذلك، كتلة عمرانية متجددة، ومبان بمحاذاة الطريق الرئيسي، تجمع آلاف الوحدات الفندقية، ومثلها وحدات سكنية، ومساحات ألفية أخرى للمحال التجارية، وساحات المشي تستقبل 90 ألف شخص في الساعة الواحدة كما تقول إحصائياتها.

«حج مبرور، وذنب مغفور»… هي لكل حاج تكبد مشاق السفر، آتيا طمعا في رضا الله، والفوز بنعيمه في الدنيا والآخرة، وللسعودية، ملكا وحكومة وشعبا، لم تقصروا وشكرا لما قدمتم، هذا نطق من حطت قدمه أرض المملكة و الأراضي المقدسة، من يوم مقدمه وحتى مُغادرته،

كفيتم ووفيتم وبارك الله الجهود ودام عزك يا وطن .

Related Articles

Back to top button