عزالدين ميهوبي.. المثقف الذي لم ألتقه لكنني كنت أعرفه
بقلم محمد ايمن حمادي
“لم ألتقه ولم أعرفه.. لكنني التقيت نصه فصرت أعرفه، بدا لي أنه حاذق ككل أبناء الصحراء الذين خبروا الحياة الوعرة بعيدا عن المدن الغارقة في الكذب والنفاق والدّوس على قيم الإنسان المفتون بالمتعة…” هكذا كان تقديم الروائي والوزير والشاعر عزالدين ميهوبي لروايتي الأولى “لم أك بغيا” والتي تكفل بنشرها آنذاك بالمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية سنة 2018، وشاركت بها في العام ذاته بالمعرض الدولي للكتاب، حيث كانت الصين ضيف الشرف..
كانت المرة الأولى التي أزور فيها المعرض الدولي للكتاب، وذلك بسبب بعد المسافة، بالإضافة إلى تزامن فتح المعرض بالموسم الدراسي، فدخلته لأول مرة ككاتب وقارئ، فاحتفي بي حينها إعلاميا وثقافيا.
قبل كل ذلك حدث، أن راسلت وزير الثقافة عزالدين ميهوبي ذات زمن الكتروني في لحظة يأس من النشر في الجزائر و خارجها.
كنت قد نقلت روايتي على حاسوب أخي عادل ورحت أتواصل مع دور النشر من أجل نشرها دون أن أعلم أحدا من أفراد عائلتي، سألني عادل ذات يوم: وجدت ملف رواية على الحاسوب، هل هي لك؟ أجبته أن نعم، فقال لي: كتبتها أنت؟ فقلت: نعم كتبتها أنا. فسألني لمَ لم أنشرها فأعلمته حينها على ما أنوي فعله، ورحت بعزيمة أكبر أبحث وأستشيره كل مرة، وحين يأست ذات يوم قال لي: لماذا لا تطلب من وزير الثقافة أن ينشر لك فهو كاتب وشاعر أيضا؟
فقلت في نفسي وكيف لي أن أصل إلى الوزير؟ إنه حلم ! لحظتها تذكرت بأنني ذات يوم لمحت البريد الإلكتروني للوزير في إحدى كتبه التي قرأتها، فعدت أبحث فيها سريعا ووجدته بالفعل، كتبت إليه رسالة إلكترونية وأعلمته فيها عن حالي وعرفته بنفسي وأنني أحتاج إلى مساعدة من أجل نشر روايتي. أرسلت البريد ونسيت أمره في الحين، لأن أغلب دور النشر والأشخاص الذين راسلتهم عبر البريد لا يردون على رسائلي أو يردون عليها بعد مدة طويلة تصل لثلاثة أسابيع أو أكثر، نمت ليلتها وكان آخر ما فعلته على الهاتف أن أرسلت الرسالة إلى الوزير في بريده الإلكتروني الخاص.
لم أحلم ليلتها كما اعتدت، واستيقظت في صباح اليوم الموالي لأذهب إلى المدرسة، جهزت نفسي كالعادة وجلست أمام المدفأة جنب والدتي التي تحرص على الاستيقاظ دائما من أجلي حتى أغادر إلى الثانوية. فتحت هاتفي لأتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، جائتني الإشعارات تباعا، وكان اشعارا جديدا في الإيميل، فتحته مسرعا لأجد الرد من الوزير، صدمت لحظتها، كيف رد؟ وبهذه السرعة؟ قرأت ردّه الذي يقول فيه أنه تلقى رسالتي بسعادة وسيكون أسعد لو أرسلت له نصي الروائي ليقرأه، ويقدمه لمؤسسة الطباعة المناسبة، ويضيف: “هذا واجبنا تجاه المبدعين الشباب أينما كانوا، وأنت واحد منهم، ولابد من الأخذ بيدك”.
دمعت عيني وأنا أخبر والدتي برد الوزير على رسالتي وبدت البسمة على ثغرها، أرسلت له الرواية وذهبت للمدرسة، ولمّا عدت وجدتُ ردا آخر منه يشيد فيه بقلمي: “وصلتني الرواية، شرعت في قراءتها.. ولمست روح الموهبة والإبداع فيما تكتب، وتساءلت بيني وبين نفسي، أفي مثل هذه السن نكتب أشياء بهذا العمق؟ أحيي فيك نبوغك، وإصرارك على المواصلة والنجاح”. وطلب مني أن أرسل له معلومات إضافية عني، ووعدني بأنه سيكتب لي كلمة ظهر الغلاف التي تليق بي وبعملي.
وبعد أسبوع ولشدة حماسي سألته عن جديد الرواية، ليجيبني: يا سي أيمن يبدو أنك لا تتابع التلفزيون، أمس كنت ضيفا على برنامج حوار الساعة وأثنيت عليك كثيرا، تابع حواري في اليوتيوب. وأعلمني بأنه منحها للناقد علاوة كوسة ليقرأها ويكتب عنها وأنها ستصدر قريبا وستتم دعوتي للجزائر العاصمة.
ولبطء الأنترنت في المنزل هرولت لمنزل خالي القريب منا، ورحت أتابع بشغف الحوار الذي دام قرابة الساعة، وأنا انتظر الجزء الذي اثنى فيه عليّ، ليقول: ” أعلنها الآن، شاب من مدينة نائية اسمه حمادي محمد أيمن من برج عمر إدريس، أرسل لي رسالة على بريدي الإلكتروني، قالي لي فيها أنا شاب من مدينة نائية بعيدة عن الكتاب، وهذه وهذه، أثرت في كثيرا، وقال لي أحلم بأن أطبع رواية، فقلت له أرسلها لي. قرأت جزءً من هذه الرواية صدقيني سيكون هذا الطفل فلتة حقيقة في الكتابة، وسنطبع له وسندعمه، وله حق علينا أن نروج له ونعرف به ونرعى موهبته”
ولم تحملني الأرض وقتها، أعدت المقطع مرارا لأتأكد أنه يعنيني بالذات، حتى حفظت كل ما قال، من الفرحة رحت أشاركه مع عائلتي الذين تفاجأ معظهم، بحيث أن البعض منهم لم يكن على علم بأنني أمارس الكتابة، أو تفاجئوا لتواضع الوزير عند رؤيتهم للرسائل بيننا حيث يقول في مقدمة الرسائل “الأخ أيمن”..
_يتبع_