“جاوين أهلنه”!!
د. عبدالكريم الوزان
أغنية من التراث العراقي غناها الكثير من المطربين الكبار ومنها :
ماني صحت يمة احاه جاوين اهلنة
ولف الجهل مو بالدار وابعد ضعنة
حملتوا يا اهلي بليل والولف غافي
اسهر وخل ينام نوم العوافي
يلواشي عاد ارتاح واضحك بالفراك
حسبالك اترجاك والحبك اشتاك
جا ، وأصلها شا ، كلمة آشورية تعني ” حبيبي”.
تفيد قصة هذه الكلمات الى ان المطربةوحيدة خليل، فقدت زوجها الذي كانت تعشقه بشغف شديد في الثلاثينيات . بعد ان سافر فجأة وهجرها ولم يعد . .
ماني صحت يمه أحا جا وين أهلنا .
تئن الحبيبة بحزن وحرقة وتعاتب أهلها وتسألهم : أين أهلنا؟ أين عشيرتنا؟ أين نحن راحلون؟.
ولف الجهل بالدار وأبعد ظعنا، أي أن حب الطفولة مازال في الديار ونحن يبعد بنا الركب ونرحل عنهم .
الظعن : هي القافلة التي تقل النساء عند الرحيل.ثم تقول لأهلها:
حملتوا يا أهلي بليل والولف غافي
أسهر وخلي ينام نوم العوافي
وتعني : لقد حملتم أغراضكم و خيامكم ورحلتم عن ديار المحبوب ليلا يا أهلنا،
وحبيبي نائم لا يعلم بما يجري..لا يعلم برحيلي. دعوه اذن ينام ليلته نوم العوافي مرتاحا لا يعاني آلام فراقي.
أي أسهر لوحدي عوضا عنه لكي لا يتألم لفراقي.(١)
جالت ببالي أفكار عديدة ، وأنا أترنم بهذه الأشعار، فكان ان وقف العراق أمام ناظري ، وهو حبنا الأكبر، فتساءلت مع نفسي وأنا في غربتي: جاوين أهلنا؟. أين جمعنا وتزاورنا وأمسياتنا وسمرنا ؟. أين كنا وكيف أمسينا؟ ويادارنا ..ماصنعت بك الأيام؟.
عتبي على بعض أبناء جلدتي ، من ميسوري الحال خارج الوطن ، بعد أن تلبسوا برداء الأجنبي ، واعتنقوا أفكاره ، وساروا وفق أهوائه ومساراته ، دون ان يلتفتوا ولو قليلا للبلاد التي حملتهم فيها أمهاتهم وهنا على وهن ، وقاتل فيها أجدادهم وآباؤهم ، وقوت من عودهم حتى استقاموا. أتبخلون على قومكم بكلمة حق تذكر ؟ أتستكثرون عليهم قرشا واحدا لبناء مشفى أو مدرسة ، أو رسم بسمة على وجه يتيم ؟، أما يكفيكم انهماكا بغسيل أموالكم في الشتات ، وبعضكم يستثمرها في دول غزت بلادكم وشردتكم؟. أين أنتم من أهلكم أصحاب الغيرة والنخوة والمروءة والكرم؟
لامناص من تحكيم ضمائركم , فلن يكون لكم أصل ولامقام دون وطنكم ، مهما غرتكم الدنيا بغرورها وطال بكم الأمد . وأن تسألوا أنفسكم دائما احقاقا للعدل والانصاف ورد الإحسان..(جاوين أهلنا)!!.
(١) بتصرف وتعريق ، صالح حبيب ، قصة حب ريفية..جا وين اهلنا..رؤية شخصية لقصة الاغنية، الحوار المتمدن، ١٠-٢-٢٠١٧