صراع الممرات بين اذربيجان وارمنينا …هل يتسبب في اندلاع حرب جديدة!.
الدكتور معتز محي عبد الحميد
بعد أن حررت أذربيجان أراضيها المحتلة من أرمينيا بحرب استمرت 44 يوماً، أغلقت المنطقة باب الحروب والنزاعات وفتحت باباً جديداً أمام الانتعاش الاقتصادي الذي سيتحقق بفضل خطوط وممرات النقل الجديدة، وأهمها ممرّ “زنكزور”.
ففي أعقاب الانتصار العسكري الذي حققته أذربيجان في حرب تحرير اراضي قره باغ الأذربيجانية بعد احتلاله من أرمينيا منذ نحو ثلاثة عقود، وقّعت أذربيجان وأرمينيا اتفاق وقف إطلاق النار برعاية روسيا يوم 10 تشرين الثاني 2020.
واتفق البلدان بموجب المادة التاسعة في معاهدة وقف إطلاق النار على جميع خطوط النقل والمواصلات التي توقّفت منذ الاحتلال الأرميني قبل 30 عاماً، بالإضافة لشقّ ممرّ لوجستي يحوي طرقاً سريعة وخطوط سكك حديدية عبر الأراضي الأرمينية في منطقة “زنكزور” من أجل ربط أذربيجان بأراضيها الواقعة في منطقة ناخيتشيفان.
وعلى الرغم من أنّ ” منطقة زنكزور” كانت ذات يوم منطقة أذربيجانية يسكنها مسلمون أتراك، فقد ضمّها إلى أرمينيا الاتحاد السوفيتي في عشرينيات القرن الماضي ، الأمر الذي تسبب في فقدان أذربيجان اتصالها البري مع ناخيتشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي، وبطبيعة الحال مع تركيا.
أهمية ممر “زنكزور”
لاشك ان ممر “زنكزور”، إذا ما فُتح أمام حركة المواطنين والمركبات والقطارات ، أن يزيل الكثير من العوائق التي لطالما واجهتها باكو جراء صعوبة الاتصال التي هيمنت على المناخ العام طوال العقود الثلاثة المنصرمة، حيث سيُسهم بشكل مباشر، ليس في نهضة ناختشيفان فحسب، بل سينعش اقتصاد المنطقة برمّتها، بدءاً من تركيا مروراً بأذربيجان ووصولاً إلى وسط آسيا.
كما سيجعل الممر من أذربيجان مركزاً لوجستياً غاية في الأهمية في منطقة القوقاز، ويجعل من باكو لاعباً أساسياً في التجارة العالمية التي تمرّ عبر الأراضي الأوروآسيوية، ونقطة التقاء مهمة على طول طريق الحرير الصيني المنطلق من وسط الصين باتجاه أوروبا.
الان تعتبر قضية ممر زنكزور من أكثر القضايا الساخنة التي تدور حولها السياسة الدبلوماسية في أذربيجان وكذلك في أرمينيا. حيث ان أرمينيا لاتزل ترفض ترسيم الحدود وازالة الالغام وسحب قواتها و المليشيات المسلحة المتواجدين خلف القوات الروسية الأمر الذي سبب خروفات امنية متكررة وعمليات عسكرية محدودة واعتداءات من قبل مسلحين ارمنيين على المدنيين والقوات الاذربيجانية .
حق تاريخي وطبيعي
في اذربيجان تحدث الرئيس الهام علييف اكثر من مرة على الحق التاريخي والطبيعي للاذربيجان في تحقيق هذا المشروع ، لنتذكر ماذا قال الرئيس علييف عن زنكزور في كلماتة وخطابة الاخير؟
(إن مشروع ممر زنكزور ليس بالنسبة لنا بمشروع اقتصادي او نقلي فقط بل هو مشروع استراتيجي أيضا ونحن متأكدون تمامًا من أن تحقق هذا المشروع هو حقنا الطبيعي).
واكد الرئيس الأذربيجاني ايضا في مناسبة اخرى (إنه سيتم اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لضمان المصالح الوطنية الاذربيجانية وأن فتح ممر زنكزور سيخدم المصالح الوطنية لأذربيجان على كافة الاصعدة وان الممر ستفتح سواء أرادت أرمينيا ذلك أم لا ، وسنقوم بتنفيذ فتح ممر زنكزور حسب الاتفاقية الاخيرة والتي وقعت بعد حرب قره باغ الثانية الاخيرة بين الدول الثلاثة اذربيجان و روسيا وارمينيا ).
الا ان الجانب الارمني دائما يتنصل من نصوص المعاهدة كما ذكر الرئيس علييف في اكثر من مناسبة وانها تفتعل الازمات لكي تتهرب من ذلك بحيث انها لا تفي بالتزاماتها التي تعهدت بها بالفعل منذ أكثر من عامين مفيدا أن (ذلك لن يوقفنا وأعني أن هذا بالنسبة لنا مشروع استراتيجي وليس بالنسبة لنا فقط بل وبالنسبة للبلد المجاور وكذلك للجغرافيا الكبيرة أيضا.)
وذكر الارمن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في خطاب سابق له إن (الشعب الأذربيجاني سيعود إلى زنكزور ارض اجداده القدامى التي انتزعت مننا قبل 101 عام).
هذا التصميم والارادة في سياسة اذربيجان تجسدت بعد النصر في حرب ال 44 يوما في بلورة استراتجية دبلوماسية جديدة تذكر العالم باهمية قيم النصر الذي تحقق في اثناء الحرب وبعدها ، و هذا ماعبر عنة الرئيس الهام علييف (انني كما قلت قبل وأثناء الحرب ، إما أن تنسحب ارمينيا طواعية من كافة أراضينا أو سنجبرها على ذلك بقوة جيشنا الباسل المصمم على تحرير كل شبر من تراب الوطن . طبعا إذا أراد الجانب الارمني التعاون في فتح الممر ، يمكننا حلها بسهولة أكبر بالتعاون بيننا ، وإذا لم يفعلوا ولم يتعاونوا، فنحن سنحلها بالقوة . قلتها قبل وأثناء حرب قره باغ الثانية، إما أن تنسحبوا طواعية من أرضنا أو سنجبركم على ذلك بقوتنا وعزيمتنا ومصير ممر زنكزور سيكون كذلك ).
زنكزور ..هل يشعل فتيل الحرب مرة ثانية
الان تعتبر قضية ممر زنكزور من أكثر القضايا الساخنة في جنوب القوقاز التي ترغب أذربيجان في فتح هذا الممر الاقتصادي والحيوي ، ولكن ايران التي دخلت على الخط مؤخرا وارمنينا تعترضان على فتح هذا الممر الحيوي.. للاسباب عديدة منها :
1- أثارت مسألة إنشاء الممر الذي يربط بين جمهورية أذربيجان وإقليم ناخيتشيفان التابع لها على طول الحدود الإيرانية – الأرمينية، حفيظة طهران، على أساس أن ذلك الأمر من شأنه أن يعزلها جغرافياً عن أرمينيا، ومن ثم عن المحيط الأوراسي المجاور، بما يتضمنه ذلك من حرمانها من مزايا اقتصادية وجيوسياسية عديدة، في الوقت الذي تواجه فيه إيران عقوبات أمريكية وأوروبية على خلفية ملفها النووي والصاروخي ، فضلاً عن سعي إيران لأن تصبح بديلاً لإمدادات الطاقة إلى أوروبا، في ظل الحظر الأوروبي على الإمدادات الروسية، على خلفية الحرب الأوكرانية.
وعليه، فقدت أبدت طهران اعتراضاً واضحاً تجاه مخطط هذا الممر، إذ شدد المرشد الأعلى، علي خامنئي، على رفض بلاده إغلاق الحدود مع أرمينيا، وذلك خلال لقائه كلاً من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أثناء زيارتهما طهران، لحضور اجتماع قمة أستانا، في تموز 2022، وهو الأمر ذاته الذي كرره الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، خلال اتصاله برئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان.
2- تنظر إيران إلى ممر زنكزور على أنه محاولة لحرمانها من عوائد مرور الصادرات التركية إلى دول آسيا الوسطى، كما سيحرمها من رسوم عبور الشاحنات الأذربيجانية إلى إقليم ناخيتشيفان ، وذلك في ضوء الاتفاق الذي وقّعته إيران مع أذربيجان في ايار 2021، للعبور إلى الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، بعد تقاعس أرمينيا عن تنفيذ بند في اتفاق الهدنة الموقع مع أذربيجان، برعاية روسية في 9 تشرين الثاني 2020، بأن تسمح يريفيان بوصول أذربيجان إلى الإقليم. أي أنه في حال إتمام هذا الممر، فإن ذلك يعني أنه لا حاجة لاستخدام الأراضي الإيرانية، للعبور، بل إن إيران ستضطر لدفع رسوم، ربما مضاعفة، للسماح بمرور شاحناتها سواء إلى الأراضي الأذربيجانية أو عبر الممر الواقع على الحدود مع أرمينيا.
3- تنظر إيران إلى ممر زنكزور، على أنه مشروع أذربيجاني – تركي بالأساس، يحظى بدعم من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويسعى لربط تركيا بحليفتها أذربيجان، وصولاً إلى بحر قزوين، الأمر الذي يسهم أيضاً في وصول تركيا إلى دول وسط آسيا، بالإضافة إلى كونه الطريق الأسرع للوصول إلى الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا، وهو أمر يحد من النفوذ الإيراني في هذه المنطقة.
4- تتخوف إيران من أن يؤدي زيادة نفوذ أذربيجان وتركيا على حدودها الشمالية، في حال تم تنفيذ مشروع ممر زنكزور، إلى إثارة النعرات الانفصالية لدى القومية الأذرية، والتي تمثل ثاني أكبر القوميات في إيران بعدد سكان يتجاوز 20 مليون نسمة، وبنسبة تُقدر بنحو 22% من إجمالي السكان، وهي تقطن المحافظات الشمالية الغربية من إيران.
لماذا يخاف الأرمن من الخطاب الاذربيجاني ؟
يخشى الجانب الأرمني من أنه بعد فتح ممر زنكزور الذي سيربط بين تركيا وأذربيجان ، ستقدم أذربيجان بمطالبات إقليمية ودولية باعادة بقية اراضيها التاريخية المحتلة من قبل أرمينيا ويمكن تبدأ حربًا على اعادة منطقة زنكزور في المراحل المتقدمة بعد ان تزيد قوتها الاقليمية وبمساعدة تركيا.
نتيجة لذلك ، تخشى أرمينيا خسارة ممر زنكزور الاستراتجي بالنسبة لاذربيجان وتركيا . ويزداد هذا القلق من جانب المجتمع الأرمني يوميا بسبب السياسة العدوانية الغير واضحة للشعب الارمني من قبل قياداتهم السياسية ، . فبالإضافة إلى الأدلة العديدة من الجانب الأذربيجاني حول وجود القوات المسلحة الأرمينية غير الشرعية على أراضي أذربيجان ، وقد اعترف المسؤولون الأرمينيون بهذه الحقيقة في تصاريحهم العديدة. حيث ، صرح نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأرمينية ساهاك ساهاكيان في 29 حزيران 2022 في اجتماع مع آباء المجندين من أرمينيا أنه: “سيتم استبدال المجندين الأرمن في منطقة قرةباغ بجنود عسكريين فاعلين. وكذلك ذكر أمين مجلس الأمن الأرميني أرمين غريغوريان في مقابلة بتاريخ 19 تموز 2022 أن “انسحاب وحدات القوات المسلحة الأرمينية من قرة باغ سيكتمل بحلول ايلول من هذا العام”. يتعارض كلا البيانين مع الالتزامات التي تعهدت بها أرمينيا ، ويبرهنان بوضوح على أن أرمينيا لا تزال تنشر بشكل غير قانوني تشكيلاتها العسكرية المسلحة على أراضي تابعة الى اذربيجان .
ولكن يبقى هاجس عودة الحرب مرة ثانية للارمن المحليون في وقف اطلاق النار ، وهم يرون الجنود الأذربيجانيين والعلم الأذربيجاني ثلاثي الألوان يلوح في سماء المنطقة بكل فخر واعتزاز هذا من جانب . ومن جانب اخريتخوف حكام ارمنينا من كلام الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بشأن زنكزور في الاسابيع الماضية ..حيث قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إن “الشعب الأذربيجاني سيعود إلى زكزور ارض اجداده القدامى التي انتزعت منة بالقوة قبل 101 عام”.
سيناريوهات محتملة للأزمة
مع استمرار الازمة بدون حلول وتعند الجانب الارمني بمساندة معلنة من فرنسا وبعض دول الاتحاد الاوربي ، تتمثل السيناريوهات المحتملة لحل الأزمة في التالي:
1- اندلاع حرب جديدة: يتمثل هذا السيناريو في اندلاع حرب جديدة بين أرمينيا وأذربيجان، غير أن مثل هذا الخيار يعد مستبعداً، خاصة وأن أرمينيا خسرت جزءاً كبيراً من الأراضي الأذريبجانية التي كانت تحتلها في المواجهات العسكرية السابقة في 2020. ومن جهة أخرى، فإنه ليس من مصلحة أذربيجان اللجوء إلى شن حرب ضد أرمينيا، خاصة وأن الأولى حققت جانباً كبيراً من مصالحها في الحرب السابقة، وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، كما تحظى أذربيجان بعلاقات قوية مع موسكو، والاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل اعتماد الأخير على الغاز الأذربيجاني .
2- جمود الوضع الراهن: يتمثل هذا السيناريو في نجاح أرمينيا من خلال السياسات السابقة في ممارسة ضغوط على أذربيجان، وذلك لدفعها إلى فتح معبر لاتشين، ومن ثم التنازل عن مطالبها باستكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والذي يقضي بفتح ممر زنكزور. ويلاحظ أن مثل هذا السيناريو سوف يكون صعباً، وذلك بالنظر إلى أن الأطراف الإقليمية والدولية المعنية، مثل روسيا والاتحاد الأوروبي لا ترغب في ممارسة ضغوط على أذربيجان بسبب ارتباطها بحجم مصالح قوية معها.
3- التوصل لتسوية جزئية: قد يتم الاتفاق على فتح ممر لاتشين المغلق في محاولة لتهدئة الأزمة، على أن يتم البحث في مرحلة تالية في تنفيذ الجزء المتبقي من الاتفاق، والمتعلق بفتح ممر زنكزور، غير أن رفض أرمينيا فتح الممر قد يؤدي إلى تكرار الأزمة مستقبلاً.
في الختام، يمكن القول إن دخول الاتحاد الأوروبي طرفاً في المعادلة في الصراع الأذربيجاني الأرميني سوف يزيد التوتر بين موسكو وأرمينيا من جانب، كما أنه لن يكفل للأخيرة تحقيق هدفها المتمثل في الضغط على أذربيجان لفتح ممر لاتشين بالضرورة، وهو ما يزيد من تفاقم الأزمة بين الجانبين.