{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

حبيب الرحمن عبدالحكيم الأزهري

 

التقوى هي  مقصود الصوم وغايته (لعلكم تتقون) هي خير ما يحمله المؤمن وهي زاده الذي أمره الله تعالى، فقال: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) البقرة: (197) وإن الصيام من أكبر أسباب التقوى، لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه. وقد بينت لنا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن التقوى كثيرة. ومنها:
قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.) البقرة:(١٨٣)
و (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) الحجرات : (13)
و (آمنوا اتقوا الله حق تقاته) آل عمران: (102)
و(واتقوا النار التي أعدت للكافرين) آل عمران: (131)
و(واتقوا الله إن الله سريع الحساب)المائدة: (4)
و(فاتقوا الله ما استطعتم)التغابن: (16)
خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال : “اتقوا الله ربكم  وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم” سنن الترمذي :(٦١٦)
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ فقال : تقوى الله وحسن الخلق، سنن الترمذي :(٢٠٠٤)
وقال أيضا “أوصيكم بتقوى الله” سنن الترمذي :(٢٦٧٦)
مما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها التي تميل إليها نفسه متقربا بذلك إلى الله فهذا من التقوى. والتقوى العلاقة العظيمة بين العبد وربه؛ حين يخشاه فيحقق ما يريده منه، ويعظمه فيعبده فلا إله سواه، ويحبه ويستشعر معيته والأُنس به، فهو الغفور الودود الرحمن الرحيم. هذه المشاعر كلها وغيرها هي التقوى التي تجعل بين العبد والعقوبة وقاية، وهي التي تسمو بالعبد إلى درجة التكريم الحقيقي. فلئن كانت علاقات الناس مبنية على مصالح بينهم، فالمتقون يجعلون في أعلى سلّم أولوياتهم تلك العلاقة مع ربهم، وشتان بين إنسان يغدو ويروح.
والصيام الذي يوصل الإنسان إلى التقوى يجعله بعيدا عن كفر النعم والغفلة عنها أو جهل قدرها وعدم القيام بشكرها ويحافظ على النعم التي وهبها إياه وعلى رأسها نعمة الإيمان وصحة البدن وهذا من التقوى والرقي إلى الإيمان.
ومن خصال التقوى: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى, فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع الله عليه، وفي الغالب تكثر طاعته، وأن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم بالصيام يضعف نفوذه وتقل منه المعاصي، وأن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين وهذا كله من خصال التقوى.
وكان الصيام موجبا لاتقاء المعاصي لأن المعاصي قسمان:
الأول :قسم ينجع في تركه التفكر كالخمر والميسر والسرقة والغضب فتركه يحصل بالوعد على تركه والوعيد على فعله والموعظة بأحوال الغير.
الثاني :قسم ينشأ من ذواع طبيعية كالأمور الناشئة عن الغضب وعن الشهوة الطبيعية التي قد يصعب تركها بمجرد التفكر فجعل الصيام وسيلة لاتقائها لأنه يعدل القوى الطبيعية التي هي داعية تلك المعاصي ليرتقي المسلم به عن حضيح الانغماس في المادة إلى أوج العالم الروحاني.
إن التقوى هي خلاصة الدين، هي حسن العلاقة بالله تعالى. ولا نشك أبدا في أن العبادات هي من آكد ما يبني هذا الشعور. ولقد علمتنا الحياة أنه لا تقوى من دون عبادة وانقياد لله تعالى، وأنه لا تقوى من دون حسن معاملة الناس، ولا تقوى من دون تحملٍ لمسؤولية المسلمين والشعور معهم وحبهم؛ فهي أمور متلازمة قدوتنا فيها رسولنا صلى الله عليه وسلم فهو أعبد الناس وأحسنهم مشعرا وأكثرهم انشغال بهذا الدين ومستقبله ومستقبل أمته .
ورمضان فرصة عظيمة لاستدراك الخير كله. ومن يدري، فربما لحظة واحدة في الحياة تغير منهج أحدنا. فللهم اجعلنا من أهل الرضى والتقوى يا حي يا قيوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى